وقُدِّر أن ترسل هذه البحوث إلى أستاذ مشارك في النحو والصرف كنت أتوسم فيه الخير فأوصيت الكلية بإدراج اسمه ضمن المرشحين للتحكيم وبين هذا الأستاذ والمشرف على تحقيق شرح الفصيح قرابة، وكنت أعلم بذلك لكنه كان في نظري فوق مستوى أن يتعصب لقريبه .. ولكن خاب ظني .. فقد كتب تقريرا يقطر حقداً كاد فيه أن يخرجني من الملة، وقد حمدت الله بعد أن قرأت تقريره إذ لم تعمد وكالة الكليات إلى إنهاء عقدي، فأنا في نظره متعالم مستهزئ بالعلماء لا يتصف بأوصافي باحث مسلم!!
وكنت رأيت في المنام قبل تلقي هذا التقرير بثلاثة أيام أن إعصاراً يقبل نحوي، نجوت منه بالإيواء إلى ربوة مرتفعة، فكان هذا التقرير تأويلا لذلك الإعصار .. أعاذني الله من شره ..
كان التقرير يشبه كثيرا رد محقق شرح الفصيح الذي نشره في مجلة عالم الكتب حتى إن بعض عباراته كانت مطابقة لما في الرد، ولم يكن فيه أي نقد علمي مبني على الدليل، فقد اتهمني بسرقة أقوال العلماء ولكن لم يقدم دليلا واحداً على ذلك واتهمني بالتقول دون دليل واتهمني بالتعالم دون دليل، ولا أدري كيف قُبل هذا التقرير واعتمد!
بعد ذلك أصبت بصدمة في فائدة البحث العلمي، وعزفت عن كتابة البحوث النحوية لعدة سنوات إلى أن شجعني وألح علي صديقي وأخي الذي لن أنسى فضله الأستاذ الدكتور تركي بن سهو العتيبي رئيس تحرير مجلة الدراسات اللغوية وعميد البحث العلمي سابقا بجامعة الإمام فكتبت بحثين آخرين أولهما في أصول النحو (إبقاء حكم الفرع بعد الرجوع إلى الأصل) والآخر دراسة لشواهد اخترتها من كتاب جمهرة نسب قريش للزبير بن بكار درستها متأسيا بأبي علي الفارسي في كتاب الشعر، وتقدمت مرة أخرى بهذين البحثين مع البحوث المتقدمة، فجاءت الموافقة بحمد الله على الترقية في بداية سنة 1426هـ ..
أما بحث (مفهوم الاتساع وضوابطه في علم النحو) فيتألف من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، تناول الفصل الأول مفهوم الاتساع عند سيبويه باعتباره أول من استعمل هذا المصطلح وعند ابن السراج باعتباره أول من خصص له بابا مستقلا في كتابه الأصول، وتضمن الفصل الثاني الاتساع بتغيير المعنى النحوي للكلمة دون حذف شيء من الكلام، وذلك في الظروف والمصادر، وخصصت الفصل الثالث للاتساع بالحذف، كالاتساع بحذف النون أو التنوين والاتساع بحذف الحروف والاتساع بحذف الأسماء وتضمنت الخاتمة أهم النتائج.
وأما بحث (دفع التعارض عن كتاب سيبويه) فيعد شرحا لنصوص من كتاب سيبويه بدت في ظاهرها متناقضة أوكانت مثار اختلاف العلماء في فهمها، وكان الدافع إلى هذا البحث ما استشكله شيخي وأستاذي الدكتور محمد عبد الخالق عضيمة رحمه الله في فهارس كتاب سيبويه من مسائل ظاهرها التناقض أو خفي فهمها على كثير من العلماء.
وكان تحقيق المتبقي من شرح ابن كيسان لمعلقة طرفة نابعا من رغبتي في نشر آثار ابن كيسان التي لم يصل إلينا منها إلا القليل، والمتبقي شرح لسبعة وعشرين بيتاً من المعلقة، ويقع ضمن مخطوط نادر فريد تحتفظ به مكتبة برلين.
أما بحث (إبقاء حكم الفرع بعد الرجوع إلى الأصل) فاستقيته من كلام سيبويه الذي يربط بين الأشباه والنظائر، ومضمون هذه القاعدة أن العرب قد تحدث تغييراً في أصل الكلام الذي تتحدث به للتخفيف أو الاتساع، ثم تعود إلى أصل كلامها مع إبقاء التغيير الذي أحدثته قبلُ.
وأما الشواهد النحوية المختارة من كتاب جمهرة نسب قريش للزبير بن بكار فقصدت فيه أن تكون الشواهد قابلة للتحليل والتفسير والتوجيه، وتكون خاصة بمسائل يندر الاستشهاد لها في كتب النحو، بحيث تكون هذه الشواهد رافداً جديداً لبعض الأبواب النحوية.
بقي أن أشير إلى أن بحث الاتساع نشر في مجلة جامعة الإمام وبحث دفع التعارض عن كتاب سيبويه نشر في مجلة عالم الكتب وبحث تحقيق شرح المتبقي من معلقة طرفة لابن كيسان في مجلة عالم المخطوطات، وبحث إبقاء حكم الفرع بعد الرجوع إلى الأصل نشر في مجلة الدراسات اللغوية، وهذه المجلات كلها في المملكة العربية السعودية، أما بحث (شواهد نحوية مختارة) فنشر بمجلة كلية اللغة العربية بالمنصورة التابعة لجامعة الأزهر.
- وبين يدي بحوث أخرى أدعو الله عز وجل أن يعينني على إتمامها وبهذا أختم ما إخاله مملاً، ولكني أدعو الله عز وجل ألا يكون بالغاية المرجوة مخلاً، ومعذرة عن الإطالة، والله يتولانا وإياكم.
ـ[معالي]ــــــــ[01 - 01 - 2007, 09:36 ص]ـ
أما والله ما كان مُمِلا، ولا بالغاية مُخِلا، بل هو من مُتع الطلب، وحوافز الهِمم، ولكم فيما استقطعتم من وقتكم النفيس، لتدوين طرف من رحلتكم العلمية، الأجرُ والمثوبة من رب الأرض والسماء.
ولولا الله ثم خشية الإثقال عليكم لاستزدناكم، ولكن:
قليلٌ منك يكفينا ولكن ... قليلك لا يُقال له قليلُ
وهذا شأن أحاديث أهل العلم والفضل، معاقد للفرائد، ومصائد للفوائد، فليجزكم الله عنا خير الجزاء يا شيخ، وليمتعكم بعمر طويل على طاعة وعمل صالح وزيادة في العلم والعطاء.
¥