- "الفرانكفونية"، مصطلح كما تعرفه عزيزي هو الكتابة العربية في ظل المحيط الفرنسي. أو هو بتعبير آخر يشمل الكتاب العرب الذين يكتبون أعمالهم – وأخص الإبداعية هنا – باللغة الفرنسية. كيف تفسر ظاهرة كتلك؟
• هذه ظاهرة صحية جدا بالنسبة إلى العرب الذين نشؤوا في فرنسا، وغير صحية بالنسبة إلى الذين يعتقدون أنهم بكتابتهم بالفرنسية أو بالإنكليزية يكونون جزءا من الحداثة والمعاصرة، لأن الحداثة ليست لغة.
_ هل يعني هذا هجرة المثقف العربي جسدا وإبداعا؟
• لا أظن ذلك. أما الكاتب العربي المقيم في دولة عربية والذي يكتب بالإنكليزية ليتعولم، فهذا اغتراب لا عولمة ولا حداثة. واغتراب من هذا النوع، في رأيي، جريمة دينية وقومية وإنسانية.
- (الأنا والآخر) إشكالية منذ ظهور الغربي على الراهن الثقافي؛ هل ما تزال هذه الإشكالية قائمة على قدم وساق؟
• نعم، والسبب هو أن الغربي يستثمر في لغته وثقافته، بعكس الشرقيين والعرب. ولكل مجتهد نصيب
في بلجيكا ـ على سبيل المثال ـ ثلاث لغات رسمية، الهولندية والفرنسية والألمانية. واللغتان الرسميتان في بروكسيل وما إليها هما الهولندية والفرنسية. منذ عشر سنوات سقطت الحكومة البلجيكية بسبب رفض عمدة قرية في محيط بروكسيل ـ كان يفترض فيه أن يكون ملما باللغتين الرسميتين للمدينة ـ عقد زواج باللغة الهولندية. قامت الدنيا ولم تقعد إلا بسقوط الحكومة وإقالة العمدة من منصبه!
واليوم نرى في الأمم المتحدة محاولات لإخراج العربية منها بصفتها واحدة من ست لغات عالمية معتمدة في مداولات الأمم المتحدة. لماذا: لأن أهلها باتوا يسقطونها من حساباتهم لدى تعاملهم مع الآخرين؛ فلم يهتم بها الآخرون؟ وكيف لمبدعيها، والحال هذه، أن يظهروا في المشهد الثقافي العالمي مظهراً يليق بمركز لغتهم التي يتوقع لها أن تحتل المركز الثالث بين لغات البشر سنة 2050؟!
_ كيف تفسر نظرتك كعربي يعيش في بلد غربي للغربي؟ هل ثمة شعور بالدونية من قبل المثقف العربي أمام المثقف الغربي؟
• أغبط في الغربيين غيرتهم على لغاتهم وثقافاتهم، واجتهادهم في الحفاظ عليها وتطويرها والترويج لها في العالم. وأحزن لأني أنتمي إلى تيار يؤمن إيمانا ثابتا أنه لو كانت الحضارة الانسانية عمارة مكونة من عشرة طوابق، لكان خمسة طوابق منها من بناء أجدادي. ومن هذا المنظور أنظر إلى الغربي والشرقي، والشمالي والجنوبي على السواء. أما الذين يشعرون بالدونية تجاه الآخر، فهم الفاقدون لذاكرتهم، فانهزموا ـ بفقدانها ـ من داخلهم. وهؤلاء يشعرون بالدونية تجاه أيِّ آخر ...
- لنخفف قليلا من وطأة الأسئلة بسؤال عن حنينك لوطنك؟ ماذا يعني لك الوطن؟ وهل ثمة ما يؤرق في محيطك الأوربي؟
• أنا مغترب منذ سنة 1979. وبيني وبين الوطن بحار وجبال ووديان وكلاب سلوقية ... والمغترب ـ مهما كانت تجربته ناجحة ـ في أرق مستمر ... فالاغتراب تجربة إنسانية كبيرة ومفيدة في أحايين كثيرة، إلا أن أول ضحاياها هو فقدان السكينة والسلام الروحي ... لقد علمتني الغربة، فيما علمتني، أن أنتزع وطني من قلبي، وأن أجعل من قلبي وطني، فتخلصت بذلك من الحنين وعذابه، ومن الأرق وهمومه
- القراءة مفتاح العلوم. ولنتذكر معا قوله تعالى (إقرأ باسم ربك الذي خلق). كيف ترى تعامل العربي مع الكتاب، والقراءة كفعل ثقافي إنساني؟
• نحن أمة نسيت أنها كانت أمة (اقرأ)! ولتراجع القراءة عند العرب أسباب كثيرة أهمها الظروف الاقتصادية والمافيا العربية التي تسيطر على صناعة الكتاب، التي تمتص جهد الكتاب العرب وتسبب لهم اليأس والإحباط.
إن القراءة ـ بصفتها فعلا ثقافيا إنسانيا ـ ضرورية للإنسان للتواصل مع نفسه ومحيطه والإنسانية. وهي قبل ذلك كله ضرورية لتطوير ذاته وتكوين خلفية ثقافية تراكمية لديه، تجعل منه إنسانا مفيدا في جميع الحالات. فالطالب الذي يدرس مقرراته الدراسية ولا يوسع من آفاقه بالقراءات الجيدة، يرتد بعيد سنوات من تخرجه إلى الأمية. وكذلك الأب والأم والأخ والأخت الذين لا يقرؤون، لأنهم في هذه الحالة لا يطورون أنفسهم، ولا يفيدون غيرهم، ويعيشون على الهامش ...
¥