تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما بعد التقدم الذي أحرزته البشرية في وسائل الاتصال والإعلام، فقد تغيرت الأحوال كثيراً، وصار عدد غير قليل من وسائل الإعلام ببريقها ومؤثراتها الكثيرة القوية تزيف الحقائق، وتصنع من الرموز ما تريد، عن طريق التلميع الإعلامي الخادع، فترفع من ترغب في رفعه ولو كان فاسقاً من أرذل الناس، وتضع من ترغب في وضعه ولو كان تقياً من أفاضل الناس.

وهذه ورطة كبيرة للأجيال الناشئة، حيث يقفون حائرين بين تلميع الإعلام لشخصيات فاسدة، وبين ما يسمعونه من حقيقة تلك الشخصيات، ولا يجدون من يدلهم على المعايير الصحيحة للقدوة، ويميز لهم الصالح من الطالح من بين هذا الكم العظيم من الركام الإعلامي من النجوم والمشاهير.

القدوة تؤثر في قطاع كبير من الناس، فهي محرك نفسي عظيم في المجتمع، لا يقل دوره عن باقي العوامل المشاركة في بنية المجتمع وتقدمه، فحينما نضع أمام المجتمع الشخصيات الصالحة والناجحة ليقتدي بها الناس، فسيعود ذلك على المجتمع بتأثير إيجابي كبير، فيكثر الصالحون والعلماء والناجحون ويقوى المجتمع ويتقدم؛ وحينما تكون القدوة من أهل الفساد والسفهاء والفساق وأهل المجون؛ فسيكثر الفساد، وتتربى الأجيال على شاكلة النماذج التي اتخذوها قدوة، فيزداد المجتمع ضعفاً، وتتسارع إليه عوامل الانهيار.

ولذا فمسؤولية المجتمع كبيرة في حماية مكانة القدوة، وقصرها على أهلها من الصالحين،ورفض كل قدوة سيئة وحماية الأجيال منها،

فلا ينبغي إذن أن نترك تلك المكانة الشريفة والمنزلة الرفيعة لأهل الفساد يعبثون بها كما يشاؤون،

والموقف الإيجابي إزاء ما نراه من عبث بهذه المنزلة هو تفعيل عملية الإحياء لمكانة القدوة الصالحة، وبذل مزيد من الجهد في إبراز قدوات الأمة الحقيقيين، من الأنبياء والصالحين، ومن أهل الصلاح والتقوى، ومن أهل الخير والنفع وتقديم الخدمات الجليلة للأمة، ومن أهل العلم في كل مجال من دين وطبيعة وطب، وإبرازه صفاتهم ومميزاتهم وهديهم، بشتى وسائل المعرفة والاتصال بالناس من كتب وصحف وبرامج وغيرها، ولا سيما الموجهة إلى النشء.

وفي الوقت نفسه نجتهد في التحذير من تلك الجهات التي ترفع من شأن المنحرفين، من صحف ومجلات وقنوات، حتى لا يتمكن أهل الفساد من الوصول إلى منزلة القدوة في المجتمع، كما تشير بذلك الآية الكريمة في قوله - تعالى -: "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة: 124).

قال ابن جرير: "قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ": هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماماً يقتدي به أهل الخير؛ لأن الإمامة إنما هي لأوليائه وأهل طاعته دون أعدائه والكافرين به ... (تفسير الطبري، سورة البقرة).

إن أثر القدوة الفاسدة خطير، فقد يضل من يتبع القدوة الفاسدة ويقلدها، أو تؤدي به إلى التأخر أو التخلف عما فيه خيري الدنيا والآخرة، وضياع العمر والوقت، قال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: "لا يزال الناس بخير ما أَخذوا العلم عن أَكابرهم، فإِذا أَتاهم من أَصاغرهم فقد هلكوا قيل: "الأَكابر أَهل السنّة، والأَصاغر أَهل البدع. قال أَبو عبيد: ولا أُرى عبد الله أَراد إِلا هذا".

وقد بكى حكيم بن حزام - رضي الله عنه - يوماً على أنه اتبع قدوات سيئة كانت في مجتمعه، وأضاعت عليه خيراً كبيراً، وفاتته فرصة عظيمة، وهي شرف الإسلام مع من أسلم مبكراً،

قال ابن الجوزي في صفة الصفوة: "إن حكيم بن حزام بكى يوماً، فقال له ابنه: ما يبكيك؟ قال: خصال كلها أبكاني، أما أولها: فبطء إسلامي حتى سُبقت في مواطن كلها صالحة ... وذلك أني أنظر إلى بقايا من قريش لهم أسنان رجال كبار السن - متمسكين بما هم عليه من أمر الجاهلية؛ فأقتدي بهم، ويا ليت أني لم أقتد بهم، فما أهلكنا إلا الاقتداء بآبائنا وكبرائنا، فلما غزا النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة جعلت أفكر ... فجئته فأسلمت يعني أسلمت متأخراً "

أخي الشاب /

جميل جداً أن تكون لنا قدوات صالحة ونماذج رائعة نحاكيها ونقتفي طريقها من أهل العلم والخير والصلاح والثقافة لك أن تقتدي بآخر بمعنى أن تتسم وتتحلى بما يتحلى هو به لا أن تعقد جلسات مقارنة بينك وبينهم

وقلما نجح شخص في حياته وهو رهن المقارنة بينه وبين من يتفوق عليه .. وقلما فشل إنسان عاش بالهمه والعزيمة والأمل والتفاؤل .. توقف عن المقارنات ..

حاول أن تجد في نفسك من الخصال الطيبة والخلال الحميدة والقدرات والهبات التي منحك إياها المولى لا لكي تفخر بها .. بل لكي تكون باعثاً على المضي .. فإن كثير من الناس حين يرى في نفسه أموراً جيده فإنها تقوي همته وتمضي عزمه وتجعله يتقدم إلى أهدافه بجد واجتهاد ..

إن أي طريق نحو القمة لا بد أن يكون صعباً في بدايته وكل ناجح في الحياه فإنه يحمل معه كماً هائلاً من المواقف والصعاب التي اعترضت طريقه لكنه ظل يقاوم ويصبر ويتعلم من كل موقف درساً حتى وصل إلى ما يريد فلا تظنن أن المجد والقمم والغايات تدرك بقليل من العمل والشاعر كان يقول:

لا تحسب المجد تمراً أنت آكله .. لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

ستواجهك عقبات وعقبات وعقبات .. سيرد عليك الملل والتعب والسأم .. لكن الصبر والمثابرة هي خير زاد لمن يحلم ببلوغ العلياء ومعانقة الجوزاء

أخوكم / الربيع الأول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير