تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

*ولنكتفِ من الأسبابِ الخاصةِ بهذا، وينبغي أن تعلمَ أنَّ هذهِ الأسبابَ إذا وفَّقك اللهُ لبذلها فستحتاجُ إلى بذلِ شيءٍ من الأسبابِ العامةِ لتظهرَ آثار الأسبابِ الخاصةِ، فهي كالدعاءِ في كونها أسبابٌ تحتاجُ إلى بذلِ أسبابٍ في أغلبِ أحوالِ بعضِها.

ب) الأسبابُ العامةُ:

علوُ الهمةِ:

هنا يتفاوتُ الطلابُ، وبهذا يبذلون الأسبابَ، فمن علت همتُه أعدَّ العِدَد، ومن دنت همتُه أكثرَ التعدادَ، فإذا مرضَت همتُك فأقرأ في سيرِ العلماءِ والصالحينَ مع دعاءِ ربِّ العالمينَ، فإنَّ هذا هو العلاجُ المكينُ، وأما من ماتت همتُه فلن ينفعَهُ طبُّ المتطببينَ، قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: (يُستعان على الفقه بجمع الهَمِّ، و يُستعان على حذف العلائق بأخذ اليسير عند الحاجة ولا تزد) هذا وإنّ من علامات علو الهمة تكرار المحاولةِ تلو المحاولة، ولئن تلقى اللهَ عز وجل وقد أعيتك المحاولات، خيرٌ لك من أن تلقاه وأنت كسولٌ مخذولٌ، وقد ذكروا عن أحدِ أئمةِ النحو أنّه لمّا عسُرَ عليه الطلبُ وقرر تركه , مرَّ على مغارةٍ فرأى قطراتِ الماءِ تسقط على صخرةٍ في أسفلِ المغارةِ فأثَّرت فيها وحفرتها فقال: والله إنَّ قلبي ألين من الصخرةِ وإن العلم أشدُّ من الماءِ، ثم عاود الطلب، حتى أصبح إماماً في العربية، وهذا المعنى صحيح، ومتى كان العلم يأتي دفعةً واحدة؟ قال تعالى: ((وقال الذين كفروا لولا نُزَّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً)(وما جاء دُفعة ذهب دُفعة).

الحرص:

الحرص سببٌ يتولد عن الهمة، ويثمر شحاً في الوقت، وهو من الأسباب التي تُطلب الزيادة منها، في الحديث:، وإنَّ عالي الهمة يطمح إلى درجةٍ كلما تذكر الموت الذي قد يقطعه دونها، وكلما رأى من يسابقه إليها فيفوز بالقرب من الله بها دونه، تولد من هذا حرقة في قلبه تدفعه إلى العمل، والسعيدُ من وُفِّق للإحسان، (وقال الإمام الشافعي:

أخي لن تنال العلم إلا بستةٍ * سأنبيك عن تفصيلها ببيانِ

ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبُلغةٌ * وصحبةُ أستاذٍ وطولُ زمانِ)

الوقتُ:

كُن على وقتِكَ أحرصَ من (بخيلٍ ضاع في التربِ خاتمُهُ)، واعلم أنَّ العبرةَ لا بكثرةِ الأوقاتِ ولكن بنزولِ البركاتِ، فإن بوركَ في وقتكَ أثمرتَ في وقتٍ قصيرٍ، وإلا فلن تجني مما في يدِ اللهِ قطميراً، لذلك ينبغي عليكَ حفظُ شيئينِ: وقتِكَ، وأسبابِ بركتِهِ، واعلم أن ساعةً بعد الفجرِ إلى ارتفاعِ الشمسِ ما لزمتَها إلا لزمتكَ البركاتُ، وما فارقتَها إلا أكثرتَ الحسراتِ، إن كنتَ من طلابِ العلمِ المنسوبين للحياةِ ففي الحديث:، وكذلكَ ساعةً بعدَ العشاءِ إلى نصفِ الليلِ ما حفظتَها لحقِّ بدنكَ وأهلكَ إلا كنتَ بالرفعةِ خطيرٌ وبينَ طلابِ العلمِ وزيرٌ، احفظ هذه الوصية عنِّي، ولا تستصغرها منّي، إني أعظكَ أن تكونَ من الجاهلين.

التلقِّي:

أنفعُ الأسبابِ،وأَولاها بالعملِ يا معشرَ الطلابِ، فإنَّ من لم يتلقَ العلمَ عن أهلهِ فلن يكونَ من أهلهِ.

والتلقِّي سنةٌ عن النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ الذي تلقَّى روحَ القلوبِ عن روحِ القدسِ ثم تلقى عنه الصحابةُ ثم تلقَّى عنهم التابعون وهكذا فمن لم يتلقَّ ويتَّصل بهذه الأسانيد فأبعده الله من بعيد، وانظر إلى موسى عليه السلام لما أراد أن يتعلم ماذا صنع، قال تعالى ((قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما عُلمت رشدا* قال إنك لن تستطيع معي صبراً * وكيف تصبر على ما لم تحط به خُبراً * قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً * قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتى أُحدث لك منه ذكراً)(وقال الإمام ابن الجزري:

ولْيَلْزَمِ الوقار والتأدبا عند الشيوخ إنْ يُرِد أنْ ينجبا)

والبركة كل البركة في الملازمة، فبرَّ شيخك يبرّك تلميذك، قال تعالى: ((هل جزاء الإحسان إلا الإحسان))، ، وأنت تبذر بذراً على الله إخراج ثمره، ولابد لكل ثمرٍ من شمسٍ تغذيه وماء يروِّيه وجوٍ يعيش فيه، فالشمس العلماء والماء علمهم والجو اجتناب الموانع وبذل الأسباب، (قال الإمام أحمد: لزمنا عفان عشر سنين)، و (عن أبي يوسف: صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة)، رحم الله الجميع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير