هو ظرفٌ معنويٌ لكثيرٍ من أسباب العلم، بل بعضها لا يوجد إلا فيه، الفقر الذي اختاره محمد صلى الله عليه وسلم، والذي كان من أهله سيد الحفاظ أبو هريرة رضي الله عنه، (قال أبو هريرة رضي الله عنه إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشْغَلُنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرْسُ الْوَدِيِّ وَلَا صَفْقٌ بِالْأَسْوَاقِ إِنِّي إِنَّمَا كُنْتُ أَطْلُبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً يُعَلِّمُنِيهَا أوَأُكْلَةً يُطْعِمُنِيهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ أَنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيثِهِ).
الموانعُ والمُذْهِباتُ
وبعدَ ذكري لهذه الأسبابِ التي أسألُ الله أن يجعلَ لكَ منها أوفرَ الحظِّ والنصيبِ، يجبُ عليكَ أن تعلمَ أنَّ ثمرةَ هذهِ الأسبابِ واقعةٌ لا محالة إذا سلمتَ من موانعِ العلمِ ومُذهِباتِهِ والتي منها:
الكِبرُ:
الذي أبى به إبليس، فاحذرهُ حتى لا تُحرمَ بركةَ الإتباعِ والتلقي والتغرُّبِ، وتواضعْ فإنَّ مَن تواضعَ للهِ رفعَهُ، ومَن تكبَّرَ على عبادهِ وضعَهُ، ولا تحتقرْ النصيحةَ مهما كان قائلها، فإنَّ عاقبةَ احتقارها وخيمةٌ على من فعل ذلك،ونعوذ بالله أن نبخل بالأجر الذي لا نملكه على إخواننا، أو أن نخذل من أراد أن يستعين بنا على طاعةٍ أو تحصيل أجر.
العُجبُ:
الذي استكبر به اللعين، فلا تقربه وإلا وَكَلَكَ الله إلى نفسك، فسقطَ انتفاعُك بالأسبابِ الخاصةِ، واعلم أنَّ مَن أُُعجِبَ بنَفسِهِ تكبَّر ومَن تكبَّرَ أعرضَ وأبى ومن فعلَ ذلك ضلَّ وأضلَّ، وعلاجُه أن تتذكرَ من أين أصلُك وأينَ استقريتَ وفيم مررتَ وما تحملُ بين جنبيكَ و ما سينالُه الدودُ منكَ.
الحسدُ:
المحرقُ للقلبِ الذي هو أداةُ الفهمِ وممرُ العلمِ إلى مستودعِهِ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال: وهذا الحديث قاصمة ظهر داء الأقران الذي لم يسلم منه حتى الأكابر، وعلاجُه أنْ تُلزمَ نفسكَ بمحبةِ الخيرِ لإخوانِكَ والدعاءِ لهم بظهرِ الغيبِ، وخصوصاً منهم أقرانُك، وتسلحْ لهُ بـ (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، واعلم أنَّ الحسدَ لا يضر إلا صاحبَهُ كما قيلَ:
(لله درُّ الحسدِ ما أعدلَه بدأَ بصاحبِهِ فقتَلَه)
التعصُّبُ:
وسببهُ الغلوُّ في العلماءِ، فلا تتعصبْ إلا للحقِ، فإنَّ التعصبَ لغيره قادحٌ في الإخلاصِ، وصارفٌ عن الحقِّ، وكنْ كالإمام الشافعيِّ الذي قال ما معناهُ: (ما ناظرتُ أحداً إلا ودِدتُ أن يكونُ الحق معه).
الخجلُ:
قال مجاهدُ رحمه الله: (لا يَنالُ العلم مستحٍ ولا مستكبرٍ) فاحذرهما، ولا تستح من الطلبِ والتدرُّجِ وإن كبرُ سنُّكَ، فإنَّ العلمَ فضلٌ من اللهِ، وفضلُ اللهِ ليس حكراً على أحدٍ، واسأل عن ما يحيِّركَ فرُبَّ مسألةٍ تحتارُ فيها فتستحي من السؤالِ عنها فتكونُ شبهةً لكَ.
تنقُّصُ العلماءِ:
قال الجبارُّ عزَّ وجلَّ: ((إنَّ الله يدافع عن الذين ءامنوا إنَّ الله لا يحب كل خوانٍ كفور)) وقال في الحديثِ القدسي: < من عادى لي ولياً فقد آذنتُهُ بالحربِ>، فكيف يرجو الرفعةَ من تعرضَ لوعيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ في هذين النصينِ، وكيف تجني ثمارَ شجرةٍ قذفتَ صاحبَها، ولقد ابتُليَ بهذا البلاءِ كثيرٌ من الناسِ اليوم، فلا تكن منهم بل لا تقربهم، وإن اضطررتَ للكلامِ على مخالفة أحدِ العلماءِ في بعضِ المسائلِ فلا تتعرض لذاتِه، مالَكَ ولَه، تكلمْ في المسألةْ ولا تتجاوزْ ذلك، فتلقى نصباً.
تركُ العملِ بالعلمِ:
فإنَّ (صاحبَ القرآنِ إن قامَ بهِ حفظَه وإن لم يقُم به نسيَه) كما قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ، وكذلكَ في سائرِ العلومِ التي لم تعمل بها أو تعلِّمها، وعاقبةُ ذلكَ أن تُسلبَ هذا النورَ الذي وُهِبتَه، وقد قالَ أحدهم:
(وغير تقيٍ يأمر الناسَ بالتقى * طبيبٌ يداوي والطبيبُ مريضُ)
الاشتغالُ بالمالِ والعيالِ:
¥