تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه الطريقة من أنجع وسائل الحفظ، لأنها تجمع بين حفظ النص وتصحيحه وفهمه، وكان بعضهم يسمها "أم الوسائل"لجمعها لوسائل الأخذ المختلفة، كالكتابة والنظر والسماع، وهي طريقة الجيل الأول من شيوخ المحاظر الذين يقال عنهم (افلانْ مَا يَردْ لَوْحْ) أي أنه يُدَرس كل فن، وكان من هؤلاء من يُدَرِّسُ وهو يحمل الأمتعة على الدواب أو يمتاح الماء من البير أو يحلب الشاة، وقد وصف صاحب الوسيط جانبا من ذلك فقال ( .. ولا ضابط للهيئة التي يلقي عليها المدرس عندهم، فتارة يدرس ماشيا مسرعا،ومرة جالسا في بيته، ومرة في المسجد، ومنهم من يدرس في أثناء الارتحال من جهة إلى جهة، سواء كان ماشيا أو راكبا، وقد يكون راكبا والطلبة يمشون على أقدامهم في ناحيتيه،) وربما استبعد من لم يعرف واقع تلك البيئة وقوع مثل هذا، ولكنه حق مثلما أنكم تنطقون، فقد أدركت بعضا من هؤلاء الأفذاذ، فرأيت وسمعت أعجب مما ذكر صاحب الوسيط، وقد حدثني خالي الشخ محموداً بن إياه عن الشيخ أحمدو بن محمذ فال: شيخ محظرة تَنْجَغْمَاجَكْ، وكان قد صحبه أكثر من عشر سنين - أنه لم يكن يشغله عمل عن التدريس، لحفظه ورسوخ قدمه في العلم، وقد رأيته أنا يدرس الطلاب فرأيت الامر فوق ما وصف لي.

عاشرا:التدرج في الحفظ: بحيث يَتَلَقَّى الطالب الدرس إملاء من شيخه ويكتبه في لوحه، ثم يصححه، ثم يقرؤه إلى أن يحين وقت الزوال، ثم يعاود قراءته بعد الظهر،فإن حفظه انتقل إلى مراجعة الدرس الذي قبله، والمسمى بـ (الفوْقانِيَة) لأنه يكون فوقه في الترتيب في اللوح، فإن حفظه انتقل إلى الدرس الذي فوقه، ويسمى (الدَّرْسْ) بترقيق الراء، ثم يعود إلي مراجعته في صباح اليوم الثاني، فيقرأه مع الدروس الأخرى وفق الترتيب المذكور،إلا أن التركيز يظل دائما على الدرس الجديد، فإن حفظه أخد درسا جديد،وإن لم يحفظه، جعله هو الدرس اليومي، وسمى (غَابًّا) من الغب، الذي هو ورود الماء يوما وتركه يوما، ويظل الطالب يراجع هذه الدروس كلها خلال هذه الأوقات مادامت لم تغسل من اللوح،وذلك خلال الأسبوع الذي يبدأ من بعد ظهر يوم الجمعة، وينتهي بعد زوال يوم الأربعاء، وأما المحفظات الأخرى فإن الطالب يظل على صلة بها بحيث يختمها كل أسبوع عدة مرات،وإذا نسي كلمة أو شك فيها سأل عنها،وإذا لم يجد من يفتح عليه يظل يكرر ما قبلها وما يعدها حتى يتذكرها،وكانوا ينهون الطلاب في هذه المرحلة عن القراءة في المصحف، أو الرجوع إليه عند الاستغلاق، ويقولون إن القراءة في المصحف تذهب المحفوظ، لأن ما حفظ بسهولة يذهب بسهولة، والطالب في هذه المرحلة ينبغي أن يأخذ بالعزائم، وهذه الطريقة هي المستعملة في حفظ القرءان الكريم، وربما استعملت في غيره.

الحادي عاشر: تنمية الحفظ عن طريق الاختبار: ومن أشهر الطرق المعتمدة في الاختبار، الطريقة المعروفة في مصطلح المحاظر بـ (الزَّرْكْ) وهو عبارة عن اختبار جماعي، على شكل مباريات، ويستخدم هذا الأسلوب في القرآن الكريم والرسم والإعراب والشعر،وقد جرت العادة أن تجرى هذه المباريات في حفظ القرآن كل ليلة أربعاء، ويراعى فيها أن تغطي معظم أماكن المتشابه، وتتم تحت إشراف نخبة من الحفاظ، بينما تجرى المباريات في الرسم عن طريق كتابة بعض الكلمات القرآنية بطريقة خاصة، تسمى ب (التَّثْلِيثْ) وهي من أنجع الطرق التي تعين على إتقان الرسم وحفظ شوا رده، وأما مباريات الإعراب فتقوم على إلقاء بعض المقطوعات الشعرية وغالبا ما تكون من شواهد النحاة في أبواب النحو المختلفة، وربما كانت من إنشاء شيخ المحظرة، لأمر اقتضى ذلك، كقول مولود بن أحمد الجواد اليعقوبي:

ويل للتلاميذ من بيت لمولود

لم يعربوه، وذكر الخُرَّدِ الرُّود

أمسى يردد تذكارًا لفاطمةٍ

عن غيرها نفسَ فتيانٍ صناديد

فقوله (نفس) معمول ل (فاطمة) لأن المشتق، يعمل عمل فعله، ووجه التعمية أن اللفظ المذكور تونسي فيه الاشتقاق بسبب غلبة العلمية عليه، والمعنى على هذا الوجه الأعرابي أنها فطمت نفس الفتيان الصناديد عن غيرها،وكان بعض الشيوخ يضيف إلى الاختبار في الإعراب،الاختبار في معاني المفردات والبحور الشعرية. وكثيرا ما ترتبط هذه المباريات بذكريات جميلة، يتشوق إليها الطلاب ويندبون المنازل من اجلها، كما قال أحمدو بن احْبَيِّبْ البهناوي:

قف بالديار معاهد الأصحاب

زمن الصبا، ومنازل الأحباب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير