تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم قال: "ولا يحلُّ أن ينسب إلى إمامه القول، ويُطلق عليه أنَّه قول بمجرَّد ما يَراه في بعض الكتب التي حفظها أو طالَعَها من كلام المنتَسِبين إليه، فإنَّه قد اختلطت أقوال الأئمَّة وفتاواهم بأقوال المنتَسِبين إليهم واختياراتهم، فليس كلُّ ما في كتبهم منصوصًا عن الأئمَّة؛ بل كثيرٌ منهم يخرج على فتاواهم، وكثيرٌ منهم أفتَوْا به بلفظه أو بمعناه، فلا يحلُّ لأحدٍ أن يقول: هذا قول فلان ومذهبه إلا أن يعلم يقينًا أنَّه قوله ومذهبه" ([4]). ا. هـ.

لذا؛ وممَّا سبق كان لزامًا على المتفقِّه معرفةُ كتب الفقهاء؛ أصولها وشروحها ونظمها، وكذلك معرفة الكتب المعتَمَدة في كلِّ مذهب، وخصوصًا المطبوعة منها، فكان هذا البحث، والذي أرجو أن يُسهِّل على طالب العلم

معرفة هذه الكتب، بإبراز شروحها ونظمها على هيئة تشجير ([5])، مع تعريفٍ مُوجَز لأهمِّ هذه الكتب وأجود طبعاتها ([6]).

وقبل الخِتام أُشِيرُ إلى مسائل أحسبها مهمَّةً لرائم الفقه من تلكم الكتب:

المسألة الأولى: أهميَّة الاعتِنَاء بالأحكام الفقهيَّة من كتاب الله وسنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - استنباطًا وتدبُّرًا وتأمُّلاً، "ثم إنَّ الأصلَ الأخْذُ بالنصِّ عند ظهوره، لا سيَّما من كتاب الله - سبحانه – وسنة رسول الله صلى الله هليه وسلم, فيسقط معه كلُّ اجتهاد أو قياس أو تقليد" ([7])، وعليهما - أي: الكتاب والسنَّة - مَدارُ المذاهب كلها، ومن النقص حقًّا على الفقيه أن يَبدَأ عند الاستِدلال بالأدنى دون الأعلى، ولأهميَّة هذا الأمر صنَّف جمعٌ من العُلَماء كتبًا في

ذلك، وأولَوْا آيات الأحكام مزيدَ عنايةٍ واهتمام؛ كـ"أحكام القرآن"؛ للجصاص الحنفي، و"أحكام القرآن"؛ لأبي بكر ابن العربي المالكي، و"أحكام

القرآن"؛ للقرطبي المالكي، و"أحكام القرآن"؛ لالكياالهراسي الشافعي، وغيرهم كثير ([8]).

المسألة الثانية: الاعتناء بفقه السَّلَف في القرون المفضَّلة، لا سيَّما فقه الصحابة؛ فهم الذين شَهِدُوا التنزيل، وهم أعلَمُ الناس كذلك بناسخ القرآن ومنسوخه، ومُحكَمه ومتشابهه، وأعلَمُ الناس بوجوه اللغة والبلاغة، وأدرَكُ الناس لقرائن الحال وما خفي من النصِّ، وهم أمَنَةٌ لأمَّة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ([9])

بسداد رأيهم وقوَّة فهمهم، مع ما هم عليه من حُسْنِ الاتِّباع والدِّيانة، والإجماع إجماعهم، ومَن بعدَهم تَبَعٌ لهم ([10]) لا سيَّما المُكثِرين منهم؛ كعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وعائشة، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر - رضِي الله عنهم - وكان من الذين نشَرُوا العلم في الأمَّة؛ كأصحاب ابن مسعود، وأصحاب ابن عمر، وأصحاب ابن عباس، وأصحاب زيد بن ثابت.

يقول ابن القيِّم - رحمه الله -: "فعلم الناس عامَّة من أصحاب هؤلاء الأربعة" ([11])، فعلم أهل مكَّة من ابن عباس، وعلم أهل العراق من ابن مسعود، وأهل المدينة علمهم من زيد بن ثابت وابن عمر.

قال ابن خلدون في "مقدمته": "ثم إنَّ الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فُتيا، ولا كان الدين يُؤخَذ من جميعهم؛ وإنما كان ذلك مُختصًّا بالحامِلين للقرآن، العارِفين

بناسخه ومنسوخه، ومتشابهه ومحكمه، وسائر دلالته بما تلقوه من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو ممَّن سمعه منهم من عليتهم" ([12]).

وينبَغِي كذلك الاعتِناءُ بفقه تَلامِيذهم وطبقاتهم - خصوصًا عند الترجيح بين الأدلَّة - لا سيَّما أهل مكة والمدينة؛ فسعيد بن المسيب حامل لواء أهل المدينة، وكذلك عروة بن الزبير والقاسم بن محمد وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وأبو بكر بن عبدالرحمن بن حارث وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة، وأمَّا أهل مكة من تلاميذ ابن عباس، فعطاء بن أبي رباح وطاوس بن كيسان ومجاهد وعكرمة، وأمَّا أهل العراق فهم: علقمة والنخعي والأسود بن يزيد والحسن البصري ... وهكذا.

ثم من الأهميَّة بمكان الاعتناءُ بما اختصَّ به بعضهم في فقه بعض المسائل؛ كعطاء في الحج، وسعيد بن المسيب في الأقضية والحدود وأحكام البيوع، وإبراهيم النخعي في أحكام الصلاة ... وهكذا ([13]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير