تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأقوال الصحابة وتابِعِيهم منثورةٌ في كتب أهل العلم، فدونَك "مصنَّف ابن أبي شيبة" و"مُصنَّف عبدالرزاق"، و"معرفة السنن والآثار" و"السنن الكبرى"؛ للبيهقي، و"الموطأ"؛ لمالك، و"الأم"؛ للشافعي، و"الأوسط"؛ لابن المنذر، و"التمهيد" و"الاستذكار"؛ لابن عبدالبر.

المسألة الثالثة: الحذَر من التعصُّب المَقِيت، والذي ادَّعاه بعضُهم بسدِّ باب الاجتهاد ووجوب التقليد، ورَحِمَ الله العلاَّمة الشوكاني إذ قال في ردِّه على

دعوى سدِّ باب الاجتهاد ووجوب التقليد: "إنها رفعٌ للشريعة بأسرها ونسخٌ لها" ([14]).

والناس في هذا الباب - أي: باب التقليد - على ثلاثة أَضرُب:

الضرب الأول: قوم دعوا لمذاهبهم وتعصَّبوا لها، حتى قال بعضهم: "اللامذهبيَّة هي قنطرة اللادينيَّة" وهذا غلو فاحش, حتى بلغ الحال إلى أنَّ الحنفي المتعصِّب لا يصلِّي خلفَ الشافعي، ولا يزوِّجه، وأنَّه عنده بمنزلة الذميِّ، أو كقول أبي الحسن الكرخي من الحنفيَّة: "كلُّ آيةٍ تُخالِف ما عليه أصحابُنا فهي مُؤوَّلة أو منسوخة، وكلُّ حديثٍ كذلك فهو مُؤوَّل أو منسوخ" ([15]).

وقال الحصكفي في مدح أبي حنيفة ([16]):

فَلَعْنَةُ رَبِّنَا أَعْدَادَ رَمْلٍ = عَلَى مَنْ رَدَّ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَهْ

وقول قاضي دمشق محمد بن موسى الباساغوني الحنفي: "لو كان لي أمرٌ لأخذت الجزية من الشافعي" ([17]).

وقول محمد بن إبراهيم البوشنجي - رحمه الله -:

وَإِنِّي حَيَاتِي شَافِعِيٌّ فَإِنْ أَمُتْ = فَتَوْصِيَتِي بَعْدِي بِأَنْ يَتَشَفَّعُوا ([18])

بل بلَغ التعصُّب ببَعضِهم أنَّه زعَم أنَّ عيسى ابن مريم - عليه السلام - حين ينزل يحكُم بالمذهب الحنفي، وقد أشار العلاَّمة محمد سعيد صقر في منظومته ([19]) لذلك فقال:

وَاعْجَبْ لِمَا قَالُوهُ مِنْ التَّعَصُّبِ أَنَّ الْمَسِيحَ حَنَفِيُّ الْمَذْهَبِ

وأعجب من ذلك ما قاله الصاوي في "حاشيته على الجلالين" عند قول الله - تعالى -: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 - 24]، قال: "ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافَقَ قول الصحابة والحديث الصحيح والآية، فالخارج من المذاهب الأربعة ضالٌّ مُضِلٌّ، وربما أدَّاه ذلك للكفر؛ لأنَّ الأخذ بظواهر الكتاب والسنَّة من أصول الكفر" ([20])؛ ا. هـ.

فلله ما أبعدَهم عن هدي السَّلَف، وللهِ درُّ ابن القيِّم إذ يقول: "فيالله العجب! ماتَتْ مذاهب أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أئمَّة الإسلام، وبطلت جملةً إلا مذاهب أربعة أنفسٍ فقط من بين سائر الأئمَّة الفقهاء! وهل قال ذلك أحدٌ من الأئمَّة، أو دعا إليه، أو دلَّت عليه لفظة واحدة من كلامهم عليه؟! ".

ثم قال: "ولا يجب عليه ولا على المفتي أن يتقيَّد بأحدٍ من الأئمَّة الأربعة بإجماع الأمَّة" ([21]).

الضرب الثاني: قوم دعوا إلى نبذ التقليد، وعدم الأخْذ من الأئمَّة البتَّة، وعطَّلوا اجتهادات العُلَماء وآراءَهم وأقوالهم، واعتَمَدُوا على فهومهم، قال الإمام أحمد –

رحمه الله -: " ... ومَن زعَم أنَّه لا يرى التقليد ولا يُقلِّد دينه أحدًا ([22])، فهو قول فاسق عند الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إنما يُرِيد بذلك إبطال الأثر، وتعطيل العلم والسنَّة، والتفرُّد بالرأي والكلام والبدعة والخلاف ... " ([23]).

وقال أيضًا: "الدالُّ اللهُ - عزَّ وجلَّ - والدليل القرآن، والمبيِّنُ الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمستَدِلُّ أولو العلم، هذه قواعد الإسلام" ([24]).

الضرب الثالث: وهم الأكثر - ولله الحمد - وهم ما عليه أهلُ الحديث والسنَّة، بأن عرَضُوا المذاهب على الكتاب والسنَّة، فما كان من حكمٍ له دليلٌ قَبِلُوه، وما لم يكن له دليلٌ طرَحُوه، مع عدم تعصُّبهم، واحترامهم لأهل العلم، مُتمثِّلين قولَ كلِّ إمام مذهب: "إذا صَحَّ الحديث فهو مذهبي، قلت به أو لم أقل".

ولله ما أحسَنَ ما قاله العلاَّمة محمد بن سعيد صقر المدني الحنفي؛ إذ قال في "منظومته":

وَقَوْلُ أَعْلاَمِ الْهُدَى لاَ يُعْمَلُ = بِقَوْلِنَا بِدُونِ نَصٍّ يُقْبَلُ

فِيهِ دَلِيلُ الأَخْذِ بِالْحَدِيثِ = وَذَاكَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير