تماماً؛ فهو اقتصار عملي لا منهجي، تقتضيه الظروف العلمية وغيرها، فعلاقتها مع باقي الدورات العلمية والدروس علاقة تكاملية تساندية تتمِّم إحداها الأخرى.
والدورة تمثِّل نفسها ببرنامجها، وهي بذلك تتسع لعموم طلاب العلم الراغبين في الانتفاع بها، ولهم أن يكملوا طريقهم في العلم بحسب ما يرونه.
* هلّا ذكرتم لنا - حفظكم الله - أهداف هذه الدورات؟
تهدف الدورات إلى:
1 - تفعيل الاهتمام بكتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والابتعاد عن الأُغلوطات.
2 - قطع شوط مهم من طريق العلم في مدة وجيزة.
3 - تربية طالب العلم على الجِدِّية والحافظة على الوقت.
4 - الإثبات الواقعي أن هذه الأمة أمة نصٍّ ونَقْل وحفظ، ينقله المتأخر عن المتقدم.
* لكن لماذا الاقتصار على حفظ الأحاديث؛ أليس فهمها أَوْلى؟
هذا السؤال يُطرَح أيضاً على من حفظ القرآن؛ فيقال: أليس فهمه أَوْلى؟ والجواب على الأمرين أن يقال:
ليس هناك تعارض؛ فالمعارضة إنما تكون بين المتنازعين على المحلِّ الواحد لا بين الواقعين في المحلّين المختلفين، فالفهم يقابل (العيَّ أو غير الفهم)، والحفظ يقابل (النسيان أو غير الحفظ)، ولا يتقابلان أصلاً.
ثم إن الحفظ سبيل للفهم؛ فإن الحفظ يأتي بالتكرار، والتكرار من أقوى سبل الفهم؛ فهذه واحدة، وأغلب الحفَّاظ إنما يتأتَّى لهم الحفظ بفهم المحفوظ؛ وهذه ثانية، ثم إن فهم المسألة الواحدة يستلزم استحضاراً لما يُحفَظ من أدلة مختلفة في أبواب مختلفة بتفاعلات ذهنية؛ وهذه ثالثة.
صدرك جنة الفردوس فيه ثمار الخلد تجني ما تريدُ
مع أن الذي يقتصر على حفظ الحديث بغير فهم قد حصَّل خيراًً، ولكنه قصَّر.
فالغلط ليس في الحفظ، بل هو ترك الفهم مع تيسُّر أعظم سُبُله، وإن كون الرجل لا يحفظ أو ينتقد من يحفظ لا يدل على أنه في حيِّز من يفهم.
* لكن الحاجة إلى فهم الحديث تبقى ضرورية؟
- هذا صحيح، ولكن فهم الحديث فهمان:
الأول: فهم الدلالة المباشرة للحديث؛ بفكِّ تركيبه وإيضاح غريبه، فهذه قاعدة أساس، والدورات تقوم بذلك عن طريق تقريب كتب الغريب، والشروح، واستضافة طلاب العلم.
غير أن عامة الأحاديث ظاهرة الدلالة، وإن حديثاً كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»؛ لا يحتاج عامة الحفاظ إلى غريب ابن الأثير أو أعلام السنن لفهمه.
الثاني: فهم متعلقات الحديث؛ من مفاهيمه والخلافات المندرجة في أحكامه والكلام على إسناده ورواته وأصول ألفاظه ونحو ذلك، فهذا باب آخر زائد على منهجية الحفظ، وليس من المناسب إقحام حفَّاظ السنة به؛ لأن دراسته تأتي في مرحلة لاحقة.
* ألا يوجد في الأحاديث عمومٌ يحتاج إلى تخصيص، ومطلَقٌ يحتاج إلى تقييد؛ فكيف تُحفَظ بغير شرح؟
إن طالب العلم لا يفتي في المسألة إلا وعنده آلتها من جمع النصوص الواردة في الباب الواحد، ونحو ذلك.
ثم إن العموم - عند جماهير الأصوليين - من عوارض الألفاظ، فإذا كان جارياً على كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو كذلك في القرآن الكريم؛ فهل نتوقف عن قراءته وتدبُّره - بَلْهَ حفظه - للعموم الذي فيه؟
ثم إن كلام العلماء بل كلام البشر قاطبة فيه العموم والإطلاق والإجمال؛ لأن العموم من عوارض النطق؛ فهل نتوقف عن معرفته حتى نعرف بيان العموم الذي فيه؟ مآل هذا إلى الدور.
* وهذه العلة موجودة أيضاً في القراءة.
صحيح؛ فالعلة التي يمنعون بها حفظ الحديث جارية على القراءة كما هي جارية على الحفظ، والعلة أيضاً جارية على القرآن والمتون الاصطلاحية وكلام كل عالم كما هي جارية على حفظ الحديث.
وأما الذين يحفظون ويتكلمون بغير علمٍ فهم صنفٌ من خلق الله تقحَّموا ما ليس لهم؛ وهم موجودون فيمن حفظ الحديث كما هم موجودون فيمن حفظ القرآن، وفيمن حفظ المتون العلمية، بل هم موجودون فيمن قرأ وحضر الدروس، وكل واحد من هؤلاء يمثِّل نفسه وقصوره، ولا يمثل البرنامج الذي انتفع به.
ولا يمتنع العاقل عن هذا ولا عن هذا.
* ما المتون المحفوظة في الدورة؟
للدورة خمسة فروع هي بمنزلة مستويات؛ كل مستوى يتبع ما قبله:
الفرع الأول: حفّاظ المتفق عليه: يحفظ فيه الطالب الذي حفظ القرآن: الجمع بين الصحيحين – أي المتفق عليه وهو (4 أجزاء)، وذلك بحفظ عشرين وجهاً يومياً تقريباً.
¥