تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو صهيب أشرف المصري]ــــــــ[12 - 05 - 08, 12:40 م]ـ

قال ابن خُلدون: اعْلَمْ أَنَّ العُلُومَ المُتَعَارَفَةَ بَيْنَ أَهْلِ العُمْرَانِ عَلَى صِنْفَيْنِ: عُلُومٌ مَقْصُودَةٌ بِالذَّاتِ، كَالشَّرْعِيَّاتِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَالحَدِيثِ وَالفِقْهِ ... ، وَعُلُومٌ هِيَ آلَةٌ وَوَسِيلَةٌ لِهَذِهِ العُلُومِ، كَالعَرَبِيَّةِ وَالحِسَابِ وَغَيْرِهِمَا لِلشَّرْعِيَّاتِ. فَأَمَّا العُلُومُ الَّتِي هِيَ مَقَاصِدُ، فَلَا حَرَجَ فِي تَوْسِعَةِ الكَلَامِ فِيهَا، وَتَفْرِيعِ المَسَائِلِ وَاسْتِكْشَافِ الأَدِلَّةِ وَالأَنْظَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ طَالِبَهَا تَمَكُّنًا فِي مَلَكَتِهِ وَإِيضَاحًا لِمَعَانِيهَا المَقْصُودَةِ. وَأَمَّا العُلُومُ الَّتِي هِيَ آلَةٌ لِغَيْرِهَا مِثْلُ العَرَبِيَّةِ وَالمَنْطِقِ وَأَمْثَالِهِمَا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِيهَا إِلَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ آلَةٌ لِذَلِكَ الغَيْرِ فَقَطْ. وَلَا يُوَسَّعُ فِيهَا الكَلَامُ وَلَا تُفَرَّعُ المَسَائِلُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ بِهَا عَنِ المَقْصُودِ، إِذِ المَقْصُودُ مِنْهَا مَا هِيَ آلَةٌ لَهُ لَا غَيْرُ. فَكُلَّمَا خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ خَرَجَتْ عَنِ المَقْصُودِ وَصَارَ الاشْتِغَالُ بِهَا لَغْوًا، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ صُعُوبَةِ الحُصُولِ عَلَى مَلَكَتِهَا بِطُولِهَا وَكَثْرَةِ فُرُوعِهَا. وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَائِقًا عَنْ تَحْصِيلِ العُلُومِ المَقْصُودَةِ بِالذَّاتِ لِطُولِ وَسَائِلِهَا، مَعَ أَنَّ شَأْنَهَا أَهَمُّ، وَالعُمُرُ يَقْصُرُ عَنْ تَحْصِيلِ الجَمِيعِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، فَيَكُونُ الاشْتِغَالُ بِهَذِهِ العُلُومِ الآلِيَّةِ تَضْيِيعًا للعُمُرِ وَشُغْلًا بِمَا لَا يُغْنِي.

وَهَذَا كَمَا فَعَلَهُ المُتَأَخِّرُونَ فِي صِنَاعَةِ النَّحْوِ وَصِنَاعَةِ المَنْطِقِ، لَا بَلْ وَأُصُولِ الفِقْهِ، لِأَنَّهُم أَوْسَعُوا دَائِرَةَ الكَلَامِ فِيهَا نَقْلًا وَاسْتِدْلَالًا وَأَكْثَرُوا مِنَ التَّفَارِيعِ وَالمَسَائِلِ بِمَا أَخْرَجَهَا عَنْ كَوْنِهَا آلَةً وَصَيَّرَهَا مَقْصُودَةً بِذَاتِهَا. وَرُبَّمَا يَقَعُ فِيهَا لِذَلِكَ أَنْظَارٌ وَمَسَائِلُ لَا حَاجَةَ بِهَا فِي العُلُومِ المَقْصُودَةِ بِالذَّاتِ فَتَكُونُ لِأَجْلِ ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ اللَّغْوِ، وَهِيَ أَيْضًا مَضَرَّةٌ بِالمُتَعَلِّمِينَ عَلَى الإِطْلَاقِ، لِأَنَّ المُتَعَلِّمِينَ اهْتِمَامُهُم بِالعُلُومِ المَقْصُودَةِ أَكْثَرُ مِنَ اهْتِمَامِهِم بِهَذِهِ الآلَاتِ وَالوَسَائِلِ. فَإِذَا قَطَعُوا العُمُرَ فِي تَحْصِيلِ الوَسَائِلِ، فَمَتَى يَظْفَرُونَ بِالمَقَاصِدِ، فَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى المُعَلِّمِينَ لِهَذِهِ العُلُومِ الآلِيَّةِ أَنْ لَا يَسْتَبْحِرُوا فِي شَأْنِهَا وَلَا يَسْتَكْثِرُوا مِنْ مَسَائِلِهَا وَيُنَبِّهُوا المُتَعَلِّمَ عَلَى الغَرَضِ مِنْهَا وَيَقِفُوا بِهِ عِنْدَهُ. فَمَنْ نَزَعَتْ بِهِ هِمَّتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّوَغُّلِ، وَرَأَى مِنْ نَفْسِهِ قِيَامًا بِذَلِكَ وَكِفَايَةً بِهِ فَلْيَخْتَرْ لِنَفْسِهِ مَا شَاءَ مِنَ المَرَاقِي صَعْبًا أَوْ سَهْلًا. وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.

المقدمة بتصرف يسير

ـ[أبو صهيب أشرف المصري]ــــــــ[13 - 05 - 08, 05:38 م]ـ

قال ابن القيم:

وَمِثَالُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ} فَتَأَمَّلْ كَيْفَ أَتْبَعَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ؛ رَفْعًا لِتَوَهُّمِ إهْدَارِ دِمَاءِ الْكُفَّارِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانُوا فِي عَهْدِهِمْ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ {لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ} فَرُبَّمَا ذَهَبَ الْوَهْمُ إلَى أَنَّ دِمَاءَهُمْ هَدَرٌ، وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ أَحَدَهُمْ مُسْلِمٌ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، فَرَفَعَ هَذَا التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ {وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ} وَلَقَدْ خَفِيَتْ هَذِهِ اللَّطِيفَةُ الْحَسَنَةُ عَلَى مَنْ قَالَ: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ، وَقَدَّرَ فِي الْحَدِيثِ: وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا} فَلَمَّا كَانَ نَهْيُهُ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَيْهَا نَوْعَ تَعْظِيمٍ لَهَا عَقَّبَهُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهَا حَتَّى تُجْعَلَ قِبْلَةً.

وَهَذَا بِعَيْنِهِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِنِسَاءِ نَبِيِّهِ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} فَنَهَاهُنَّ عَنْ الْخُضُوعِ بِالْقَوْلِ، فَرُبَّمَا ذَهَبَ الْوَهْمُ إلَى الْإِذْنِ فِي الْإِغْلَاظِ فِي الْقَوْلِ وَالتَّجَاوُزِ، فَرَفَعَ هَذَا التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}

إعلام الموقعين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير