حينما تتأمل عزيزي القارئ تلك النماذج وغيرها كثيرًا تر العوامل المشتركة ظاهرة بحيث لا تحتاج إلى كثير تأمل، وقد قصدت إلى بيان أن (الأسباب) هي عامل مشترك بين الآخذين به سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، والواقع يشهد بديهية استفادتهم من علومنا واستفادتنا من علومهم.
يظهر للمتأمل ما قد يوهم التناقض حول تلك العوامل من حيث تواجد الأب والأم في حياة الابن؛ فنلحظ فيهم جميعًا أن الأبوين كانا ربما مرا بمرحلة التوجيه والتنشئة في بداية حياة الابن ... لكن الغريب أننا لا نرى أي أثر لذكر الأبوين حين الكلام عن البداية العملية و الإنجازية للابن ... فهذا سلك التخصص في كذا ... وذاك ترك الجامعة وافتتح شركة ... وفي كل ذلك لا نلحظ تدخل الأبوين، بل لا نكاد نرى أي تدخل لهما، كأنهما قد انسحبا من الصورة تماما ....
وهذا هو ما يحقق المعادلة التي لم يفهمها الكثير من الآباء في أقطارنا، فالأغلب منهم يفهمون توجيه الأبناء أنه (الكنترول) على سائر تصرفاتهم وإجراءاتهم الحياتية، فيحددون له الدراسة ونوع الكلية ويبكتونه لو أخفق في دراسته أو في بعض المواد الجامعية، ويفرحون به إذا حصل على الشهادة ثم يبكتونه على عمله أو عطالته ليبحث عن عمل هو أبعد ما يكون عن دراسته الجامعية، والتي لو وضع في عمل يناسب تخصصه الجامعي لما استطاع تطبيق ما درس في الميدان ... فيكون نتاج ذلك المنهج شابا ضعيف الشخصية مخنث العزم (عايز أمه في كل موقف)
وعلى الطرف النقيض تجد بعض الآباء يظنون أنهم تربويون فلا توجيه ولا تنشئة ولا كلام فإن لمتهم على تقصيرهم أجابوك بحجتهم: (أنا سايبه براحته ... مش من أسلوبي أتحكم فيه)
فسبحان الله .. أذكر هنا توجيه شيخ الإسلام ابن تيمية – رضي الله عنه – بأن غالبًا ما يكون الحق وسطًا بين أطراف النزاع
حقيقة لا أدري كيف أختم هذه المشاركة، هل هي بالنصيحة؟ لكنها ستخرج باردة؛ حيث إنها متضمنة في أجزاء الرسالة، ولكن من باب قوله تعالى:" فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "
فيا أيها الآباء ... تكلفوا فقط بعض الوقت في فهم طبيعة وماهية التوجيه السديد لأبنائكم، نشؤوهم على القرآن وعلى حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وأسمعوهم من ذلك وهم في مهودهم فلا تنفلت منكم الأوقات فما لايتم الواجب إلا به فهو واجب؛ ولا يتأتى سماعهم في استيعابهم إلا إن وقع جزء منه قبل الاستيعاب فاسألوا المختصين ولا تكبروا أنفسكم عن سؤال أهل العلم والدراية؛ فأبناؤكم هم جنتكم أو ناركم؛ هم رعيتكم؛ أبناءكم هم كوادر أمتكم؛ هم كوادر أمة (اقرأ) فأين كوادركم يا أمة (اقرأ) أين من يمكن أن تحسب لهم إنجازات حقيقية ملموسة لا مجرد الادعاء وتمني الخير .. المنجزون لا يكثرون الكلام يا عباد الله، إنما يكثر الكلام عنهم المترجمون لهم فهلا خطر ببالك أن يترجم لابنك؟
حققوا المعادلة أيها الآباء، نشِّؤوا أبناءكم ثم لا تتحكموا في سيرهم فيخنعوا ويتخنث عزمهم ... هيئ عقل ابنك للقيادة والطموح ثم لا تحتكر طريقه .. أعلمه أنه (عزيز) (محترم) (مسؤول) ولا تحتكر عليه محل عزته واحترامه ومسؤوليته ...
فاللهم أصلح أحوالنا وأحوال إخواننا وآبائنا وأرهم الحق حقًا وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلًا وارزقهم اجتنابه
الكاتب:
محمد رشيد
ـ[محمد بن أبي عامر]ــــــــ[25 - 03 - 08, 06:44 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في السير18/ 192:
فكم من رجل نطق بالحق وأمر بالمعروف فيسلط عليه من يؤذيه لسوء قصده وحبه للرئاسة الدينية فهذا داء خفي سار في نفوس الفقهاء كما أنه داء سار في نفوس المنفقين من الأغنياء وأرباب الوقوف والترب المزخرفة وهو داء خفي يسري في نفوس الجند والأمراء والمجاهدين فتراهم يلتقون العدو ويصطدم الجمعان وفي نفوس المجاهدين مخبآت وكمائن من الاختيال وإظهار الشجاعة ليقال،والعجب ولبس القراقل المذهبة والخوذ المزخرفة والعدد المحلاة على نفوس متكبرة وفرسان متجبرة وينضاف إلى ذلك إخلال بالصلاة وظلم للرعية وشرب للمسكر فأنى ينصرون؟!
وكيف لايخذلون؟!
اللهم فانصر دينك ووفق عبادك.
¥