تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد هذا هل المختصرات عديمة الفائدة بل وضارة بالعلم والتحصيل كما يقول البعض أم هي الأساس الذي يحرم العلم من تجاوزه.

الحقيقة الحكم على المختصرات كان مبنياً على استقراء ناقص للشخصيات العلمية , فحينما يعلي البعض من شأن المختصرات وحفظها ويردد دوماً " احفظ فكل حافظ إمام " وكأن الإمامة والتقدم في العلم لا تأتي إلا بكثرة المحفوظ وكأن الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد في الفقه وسيبويه والكسائي في النحو مثلاً لم يتقدموا إلا بمحفوظا تهم ولولاها ما كانوا أئمة , وفي هذا مغالطة كبيرة , فإمامتهم ناتجة عن إفهامهم لا عن محفوظا تهم وإلا فقد عاصرهم وجاء من بعدهم من يزيد عنهم حفظاً. وقد قال أحدهم: ما يحفظه الشافعي زكاة حفظي أي لا يتجاوز خمسة بالمائة مما يحفظ , ومع ذلك أين مكانه من الشافعي , وهذا أبو حنيفة لم يعرف بكثرة محفوظا ته.

ومع ذلك نال الإمامة في الفقه حتى قال ابن سريج الشافعي لرجل بلغه أنه يقع في أبي حنيفة: يا هذا أتقع في رجل سلم له جميع الأمة ثلاثة أرباع العلم وهو لا يسلم لهم الربع , قال: وكيف ذلك؟ قال: الفقه سؤال وجواب , وهو الذي وضع الأسئلة فسلم له نصف العلم , ثم أجاب عن الكل وخصومه لا يقولون إنه أخطأ في الكل , فإذا جعلت ما وافقوه مقابلاً بما خالفوه فيه سلم له ثلاثة أرباع العلم وبقي الربع بينه وبين سائر الناس [انظر: المبسوط 1/ 3].

وربما أوقعهم في هذا الوهم ما يسمعون عن سعة محفوظات بعض الأئمة والعلماء الكبار. فيظنون أنها سبب رئيس في إبداعهم , فقوة حافظة هؤلاء جزء من قوتهم العقلية وربما تكون العبارة أقوم لو قيل: كل إمام حافظ.وحينما ينتقص البعض الآخر من شأن المختصرات ما يراه من نماذج قدمت صوره سيئة عن المختصرات وحفاظها , حيث ترى الواحد لا يستطيع أن يتجاوز المختصرات التي حفظها حتى في نفس التخصص , وما فائدة التعلم إن لم يمنح صاحبه قدرة على التعامل مع المعلومة وحل الإشكالات الواردة.

ولكن إذا كنا ننتقد المختصرات وحفاظها ورأينا السلبيات العديدة لهذه الطريقة , يا ترى هل قدمنا البديل المناسب؟ ثم ما هي مخرجات هذا البديل هل أخرجت لنا فقهاء ومفكرين وباحثين على مستويات العلمية والبحثية؟؟

الواقع أن بعض الجامعات استبدلت المختصرات وشروحها بالمذكرات وقد يقوم بصناعة المذكرة من لا إلمام له بذلك العلم , ثم يطلب من الطالب أن يتعامل مع المذكرة كما كان يتعامل مع المختصر يحفظها لأجل الاختبار , ثم تتبخر من ذاكرته بعد ذلك , ولو خبرته بعد ذلك لما رأيت عليه من اثر العلم إلا القليل ان وجد , وكل الذين برعوا من خريجي الجامعات إنما برعوا بجهودهم الذاتية لا بواسطة المذكرات والمناهج التي درسوا عليها , وانظر إلى مناهج البحث وإلى الأبحاث التي تقدم في أغلب جامعاتنا , إن مناهج البحث لا تعلم كيف يتعامل الباحث مع المعلومات والأفكار , إنما تعلمه الطريقة الشكلية التي يتم بها البحث حيث يتم تقسيم البحث وتجزئته تجزئة منكرة لا تعرف بعدها لماذا كتب وما هدف الكاتب من بحثه وما الفكرة التي يريد توصيلها للقارئ , ولذلك نادراً ما تظفر برسالة جامعية تروي الغليل في موضوعها وأكثر ما تشترى إما لبريق عنوانها أو لكونها خزانة جمعت الأقوال والأدلة في ذلك الموضوع, فتريح الباحثين من عناء البحث عنها.

وتعال إلى أكثر كتب الفكر والثقافة التي بين أيدينا تجد الكتاب يملأ الصفحات الطوال وتستطيع أن تختزل أفكاره في أسطر قليلة وفوق هذا لا وضوح في المعنى ولا بلاغة في اللفظ إلا ما ندر منها. فلا ينبغي أن نقتات على رفضنا للمختصرات ومحاربة المناهج القديمة في التعليم فإذا جئنا للبديل وجدنا المختصرات والطرق القديمة تقدم ما هو أفضل منه , والأهم دائما هو المخرجات , الثمرة , وكم من أناس يغطون ضعف فكرتهم بغطاء نقد الأفكار الأخرى فتتيه الرؤيا عن نقاط ضعفهم تحت غبار النقد الكثيف الذي يثيرونه حتى يشعروا الآخرين بالضعف وعدم الثقة بالنفس , ويبقون هم في المقدمة دائما ماذا قدموا ما هي مخرجاتهم؟ هذا ينسي ويضيع في غمار النقد و الإحساس بالضآلة أمام هذا المنتقد , ولذلك ما لم نتعامل في حكمنا على أفكار الآخرين بمخرجاتهم سنبقى في دائرة النقد المزيف.وربما أحس البعض ممن احتقر المختصرات وحفظها بعد زمن أنه وإن كان قد درس في ذلك الاختصاص وقدم فيه عدداً من البحوث وربما كانت له فيه آراء مستقلة معترف بها من أرباب ذلك الاختصاص , إلا انه عند التدريس يعاني دائما ما لم يعد لكل درس عدته , ولا يستطيع إلغاء درس أو محاضرة ما لم تكن أوراقه وكتبه حاضرة أمامه , وربما ملأ الوقت بحشو كلام بعيد كل البعد عن ذلك العلم , وهي ظاهرة في الندوات والمحاضرات إلا ما قل منها , حيث يكثر المحاضر من الكلام من هنا وهناك ويخرج المستمع خالي الوفاض لم يستفد من هذا الكلام شيئاً.

وربما أصابته الهزيمة النفسية حينما يجد أحد الحفاظ الذين كان يسخر منهم يسرد كلامه في الدرس أو المحاضرة أو غيرها بكل ثقة ولو دعي للكلام ما احتاج إلى وقت لتحضيره , ولذلك عاد البعض على كبر لحفظ المتون بطريقة أصحابها , مع أن أعمارهم لا تسمح بذلك , وربما لن يستفيدوا إلا مزيد من ضياع الوقت , ولكن هذا نتيجة للمبالغة في نقد الفكرة , فالذي يبالغ في نقد شيء قد يتبناه لا حقاً , كذلك النقد بلا منهجية , النقد لمجرد النقد.

وأظن أن الخطأ يكمن في التعامل مع المختصرات من ناحيتين في التوسع في تأليفها مع أن الحاجة فيها للمبتدئين , والجهد المبذول في التأليف لو انصرف في غيرها لكان أولى. والمبالغة في أهميتها حتى أن لم يعرف بحفظ لا قيمة له ولا يكون معدوداً من العلماء.

مكان المختصرات الواضحة هو في بداية الطريق , ذلك حتى يؤسس نفسه تأسيسا صحيحاً , ثم ينصرف بعد ذلك للأمهات والمطولات فمن خلالها يتعلم الملكة ويتفق ذهنه للإبداع وكلما قرب من عهد السلف كانت أكثر بركة وتأثيراً , وإن كان عنده همة للحفظ فليصرفها للكتاب والسنة فهما أولى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير