تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرد والقَبول، لكثير من الموادِّ العلمية، التي يُتوقَّع أن ترى النور، بغرض نشر المعرفة أحيانًا، وبغرض الدّسِّ، والكَيْد، والتشويه أحيانًا أخرى، مِمَّا يستوجِبُ تضافُرَ جهود المُخّتصِّين في كل فرع، من مُنْطلق المُراقبة والمُدَافعة.

وتلبيةً لهذه الحاجة فقد قام بعض المُعاصِرين بوضع قواعِدَ للتعامُل مع المخطوطات، فكتب الدكتور/ صلاح الدين المُنَجِّد كُتَيِّبًا عن قواعد تحقيق المخطوطات، استقاها - كما قال - من القواعد والضوابط التي وَضَعَها المستشرقون، وأَعْرَبَ في كُتَيِّبِهِ هذا عن انبهاره بمشاركاتهم، وأَوْصَى بالأَخْذ بقواعد نشر التراث التي وضعُوها، وهو بهذا التوجيه - قَصَدَ أو لم يقصد - يَدُقُّ إسفينًا بين طلاب المعرفة، وبين ما دوَّنه علماء المسلمين من قواعدَ وضوابطَ لنقل وكتابة العلم، وقد سعى للتوطئة لرأيه هذا في بداية مُقدمته للقواعد التي جمعها في كُتَيِّبِهِ، باستعراض النجاح الذي حَظِيَ به الكُتَيِّبُ، واللغات التي ترجم إليها وهي: الفرنسية، والإسبانية، والإيطالية، والفارسية، والتركية، والإنجليزية. ثم عرَّضَ بالأستاذ/ عبدالسلام محمد هارون، محاولاً التقليل من جهده، بأنَّه لا يعرف القواعدَ والضوابطَ التي وضعها المستشرقون [14] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2248#_ftn14). بَيْدَ أنَّ إِسْفينَه قدِ انْحَنَى مُرْتدًّا عليه، إذ لم تكن له القوةُ الكافيةُ لاختراق الجدار الواقي لأصولنا المعرفيَّة، لما لهذا الجدار من صلابة ومَتانَة.

ولعل الدكتور/ صلاح الدين لو أمعن النظر في تراثِنا، لعلم أن أصولَ وقواعدَ تقييد العلم قد دوَّنها علماؤنا السابقون، وهي التي لم تُسبَق؛ بل ظَلَّتِ المفتاحَ الذي استخدمه المستشرقون في الوُلوج لتراثنا، وإن بدت هذه القواعد التي وقفوا عليها في نظرهم مِفتاحًا لأبواب المداخل للتراث، إلا أن رُدْهاتِ تراثنا تظل منيعةً وممتنعة، لا يَسْبُرُ غَوْرَهَا غيرُ المُتَخصِّصينَ من أبناء هذا التراث، وذلك لأسباب كثيرة، ولو وَجَّهْتَ قول القائل:

كَالشَّمْسِ تَظْهَرُ لِلْعَيْنَيْنِ مِنْ بُعُدٍ صَغِيرةً وَتُكِلُّ الطَّرْفَ مِنْ أَمَمِ

ليكون في تراثنا، لكانَ مُوافقًا ومقبولاً، ولا أرسل هذا القول على عَوَاهِنِهِ، فإن هذا التراث المُدْهِش لا يُتْقِنُ العملَ فيه إلا مَنْ كابَدَهُ، واستعذَبَ العَنَتَ والمَشَقَّةَ في سبيله، وبَرَعَ وتخصص في أحد فروعه، وأَضرِب لذلك مثالاً لا أقصد فيه غمط قدْرِ مجتهِدٍ، ولا التقليلَ من جهود مشارِكٍ، وإنما لأُبَرْهِنَ على أن تراثنا كالشَّمْس حقًّا، وهو بفروعه وتنوُّعِهِ يجعل التعامُل معه بالقواعد المذكورة - دون أن يُصاحِبَها التَّخَصُّصُ المطلوبُ - أمرًا دونه خَرْطُ القَتاد، ذلك أن هذا التنوع يستلزم التخصُّص:

ولأُبَرْهِنَ على ذلك فسأذكر ما قام به الأستاذ/ كوركيس عواد [15] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2248#_ftn15) - وهو ممن أتقن العربية، وتفيَّأَ ظِلالها، وشَرِبَ من مَعينها حتى اطْمَحَرَّ، وتَلْمَذَ للأب/ أنستاس ماري الكرملي [16] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2248#_ftn16)؛ أحد كبار المهتمين بالتراث في القرن الماضي، ولذلك فقد عَهِدَ المجلس العلميُّ العراقيُّ للأستاذ/ كوركيس بتحقيق كتاب "تاريخ واسط"، لأسلم بن سهل الواسطي المشهور ببَحْشَلَ، فبذل الأستاذ/ كوركيس جُهدًا مقدَّرًا في تحقيق الكتاب، ولكن نظرًا لبعده عن مادة الكتاب، فإنه لم يستطع أن يُوفِّي كثيرًا من مواضع النَّصِّ التعليقاتِ المناسبةَ، فالكتاب - كما وصفه المحقِّق - يضم مادَّة حديثيَّة ثَرَّةً، والمستفيد الأول منه هو طالب الحديث وعلومِهِ؛ ونظرًا لأن مؤلفه من المُحَدِّثِينَ فقد قصد أن يجمع فيه الرواياتِ الحديثيةَ لأهل وَاسِط.

ومن هنا لزم القول بأن خير من يَخْدُمُ هذا الكتابَ؛ هو من له معرفة واسعة، وتخصص في علوم الحديث، وله دراية بعلوم العربية تُمكِّنُهُ منَ التعليق السليم على مواطن الخلل، والقصور في النص المخطوط، وسأكتفي هنا بذكر ثلاث ملاحظات مهمِّة في صفحة واحدة من الكتاب، لم يوفق المحقق في التعليق عليها.

المثال الأول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير