تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مقارنة بين تعامل السابقين، والمعاصرين مع فروق النُّسَخ والرِّوَايات: لقد كان العلماء منذ بدايات مراحل التدوين يُرَكِّزون ويُدَقِّقون في فروق النُّسَخ، والرِّوَايات، باعتبار أنَّ بعض هذه الفروق يؤدي لاختلاف وجهات نظر الفقهاء، والمفسرين، وغيرهم، وذلك وَفْقًا لقواعد القَبول والردِّ، وبعضها يتم رَصْدُهُ إمّا للدَّلالة على تميُّزِ الرواة ببيان أوهام النَّقَلَةِ الثقات ومَن دونهم، وما ينشأ عن هذه الأَوْهام من عِللٍ مُتفاوتةٍ، أو لتوثيق النصوص.

وللمختصين طُرُقهم في التعامل مع هذه الفروق أَخْذًا ورَدًّا؛ ومن هنا تظهر أهمية الاعتناء بها، والالتزام بقواعد وأصول النقل والرِّوَاية، لوصد الأبواب أمام المُتجاسِرين، حتى لا يُقدِمَ أحدهم على إصلاح ما تَبَدَّى له أنه خطأ، معتمِدًا على معرفته، وفَهْمِهِ، وإلمامه ببعض الوجوه، وقد فعل ذلك بعض الجهابذة الكبار من السابقين، وأَعِيبُ عليهم صَنِيعَهم، ومن هؤلاء: أبو الوليد هشام بن أحمد الكِنَانِيُّ الوَقْشِيُّ، وأبو سليمان الخَطَّابِيُّ، فمع سُمُوِّ مكانتهما في العربية، وثُقُوب فَهْمِهِما وحِدَّةِ ذكائهما وقعا في تصويب ما هو صواب بما هو خطأ، فكانا محل نقد العلماء [30] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2248#_ftn30).

ويدرك القارئ المُدقِّق أن المُتقنين من علمائنا السابقين كانوا يتحلَّوْنَ بالدِّقَّة، والحَذَر، والأناة عند تعامُلهم مع فروق النُّسَخ والرِّوَايات، وتقرأ لهم في هذا الشأن، فتشْعُر بأنهم كانوا في الإقدام على إصلاح الرواية أشدَّ فَرَقًا ممن خرَّ من السماء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أو تَهْوِي به الريح في مكان سحيق، وهذا الحَذَر وهذه العناية الفائقة؛ هما من صِمامات الأمان المهمة في تراثنا؛ لتمنعه من التحريف والتبديل، وقد سلك سبيلَهُم كثيرٌ منَ المعاصرين، وحَذَوْا حَذْوَهُم، إلا أن كثيرًا من الناس في بداية وقوفهم على العَتَبات؛ ربما حَرَفَتْهُمُ العَجَلَة في التعامل مع فروق النُّسَخ والرِّوايات، فتراهم لا يُولُونَ الأمر الأناة المطلوبة.

ولعلَّنا بالوقوف على أمثلةٍ أخرى عِلاوة على ما سبق نَتَبَيَّن ذلك، ونقف على مدى أهمية التَّرَوُّي، وإعمال الفِكر، عند الوقوف على فروق في النُّسَخ، والرِّوايات.

المثال الرابع:

قال الإمام أحمد في "المسنَد": حدثنا مُعَمَّر بن سليمان الرَّقِّيُّ أبو عبدالله، حدثنا زياد بن خَيْثَمَةَ، عن علي بن النعمان بن قُرَاد، عن رجل، عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خُيِّرْتُ بين الشفاعة أو يدخل نصف أُمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، لأنها أعمُّ وأَكْفَى، أَتَرَوْنَهَا للمُنَقَّيْن [31] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2248#_ftn31)؟ لا، ولكنها للمُتَلَوِّثِينَ، الخَطَّاؤُونَ)). قال زياد: أمَا إنها لَحْن، ولكن هكذا حدَّثنا الذي حدثنا.

ومن طريق الإمام أحمد أخرجه الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية"، باب: ذكر الرِّواية عمَّن كان لا يرى تغيير اللَّحْنِ في الحديث. فجعله الخطيب مثالا في بابه [32] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2248#_ftn32).

وهذا الحديثُ رواه ابن أبي عاصم في "السنة": وكتاب "السنة" طبع مرة ومعه تخريجات للشيخ الأَلْبَانِيِّ لجزء منه، وطبع مرة أخرى بتخريج مكتمل وبتحقيق الدكتور/ باسم الجوابرة أحد تلاميذ الشيخ/ الألباني الكبار، واعتمد في مطبوعتيه على نسخة وحيدة غيرِ جيدة، حَسَبَ ما ذَكَرَا، وجاء النص في نسخة الشيخ الألباني هكذا: ثنا علي بن ميمون، ثنا مُعَمَّر بن سليمان، عن زياد بن خيثمة، عن علي بن النعمان بن قراد، عن رجل، عن عبدالله بن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خُيِّرْتُ بين الشفاعة، أو نصف أمتي في الجنة، فاخترتُ الشفاعة، لأنها أعمُّ وأكفى، أترونها للمتَّقِين المُنْتَقَيْنَ؟ لا، ولكنها للخاطِئِينَ المُتَلَوِّثِينَ)). قال مَعْمَرٌ [33] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2248#_ftn33): أما إنها لَحَق [34] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2248#_ftn34)، ولكن هكذا سمعتها [35]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير