فأمور الفقه وشئونه مضبوطة مرتبة، وسلم التلقي فيه منتظم، فلا يُعقل ـ مع هذا ـ أن نقول للمتفقه المبتدئ لا تعبأ بكل ذلك، وأزح عن طريقك ذلك السلم، واختصر المسافة بالقفز إلى الاجتهاد.، كن حراً في تفكيرك، مستقلاً في فقهك؛ فإذا كنا نريد بهذه النصيحة معالجة داء الجمود والتعصب، فقد داوينا الداء بداء آخر هو الفوضى" انتهى كلامه ـ رحمه الله تعالى ونفع به ـ
أيا طالب العلم:
أولاً: أقول وقل معي: اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنَّك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، اللهم إنَّا نعوذ بك أن نضلَّ أو نُضل، اللهم آمين.
أظن ـ والله أعلم ـ أن هذه القضية خصوصاً في هذا العصر قد تثير زوبعة، ولكن نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن لا يخاف في الله لومة لائم.
أقول ـ وبالله التوفيق ومنه الإعانة ـ: أننا إذا أردنا أن نستخرج جيلاً من العلماء، ونعيد ابتعاث أحد من الفقهاء، فلا سبيل إلى ذلك إلا بسلوك طريق السلف، واقتفاء آثارهم في الطلب، فها نحن ننظر في علماء سلفنا ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فلا نرى إلا أتباع المذاهب، فنقرأ مثلاً في العقيدة الطحاوية للإمام الطحاوي الحنفي، وللبيهقي الشافعي، ولابن عبد البر المالكي، ولابن قدامة الحنبلي.
هل تعرف النسفي والزيلعى والعيني الأحناف؟ وابن العربي وعبد الله بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم والقرطبي وابن رشد المالكيين؟ والنووي والذهبي والسبكي وابن كثير الشافعية؟ وابن الجوزى وابن رجب وابن تيمية وابن القيم الحنابلة؟
هؤلاء علماؤنا وأئمتنا الذين رضينا علمهم، وتتلمذنا على كتبهم، فلِم لا نرضى طريقتهم وسيرتهم في الطلب؟!!
كان أحدهم يبدأ في أحد هذه المذاهب بدراسة متن مختصر أولاً، ثم يتدرج في المذهب كتاباً كتاباً، وشيخاً شيخاً حتى يصل إلى درجة الاجتهاد على التفصيل الذي ذكره الشيخ القارئ ـ حفظه الله.ـ إنك لا تجد ما يحدث اليوم في طريقة التلقي عن السلف، إنك تجد اليوم الشاب يبدأ بالفقه المقارن فيتشتت وينقطع ولا يتعلم.
سنجد اليوم من يقول: إنَّك تقضى بذلك على جهاد السلفيين في القضاء على التمذهب، تريد أن نعود إلى الوراء، وإلى التعصب وإلى الظلام و ... و ... الخ.
وهذه ـ لعمر الله ـ اتهامات جائرة وادعاءات باطلة، إنَّ كلامنا واضح ومحدد وصريح، نريد أن نعود بالتعلم إلى طريقة السلف، فهي التي أنتجت الأئمة، وأفرزت القادة، وأفرزت الدعاة، وجعلتهم قادة وسادة، حكماء وفقهاء، علماء وأمراء، عاملون زهاد، فلا نقول: التمذهب الممقوت المصحوب بالتعصب والجمود، لا. .. لا، إننا نقول: تعلم في البداية عن طريق المذهب الذي ترتضى أصوله وشيوخه بشروط ثلاثة:
1) أن هذا التمذهب والترقي في طلبه ليس فرضاً ولا شرطاً.
2) عدم التعصب للمذهب.
3) إذا ظهر الدليل الصحيح الصريح خلاف المذهب وجب الأخذ به.
فأنا أطالب صراحة بالتمذهب للتعلم، أمَّا عند العمل فعلى الدليل، وليست هذه طريقة جديدة، بل هي دعوة الأئمة أنفسهم " إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي" كلمة تواترت على ألسنتهم جميعاً باتفاق، وعمل الأئمة عليها من بعدهم، ولكن للأسف صارت المذاهب سوءة، وصار الانتساب إليها عورة، وصارت الدعوة المقبولة اليوم عند أكثر الشباب التحرر من كل شيء، والتخلص من كل قيد، فنشأ الشاب الزئبقي المطاط، الذي لا تجد له منهجاً يضبطه، ولا شيخاً يربطه، ولا مذهباً يحكمه، ولا شيء بل هو حر في عصر الحرية، يفعل ما يشاء، ويأتي ما يريد، فكان الضياع الذي تراه اليوم.
ماذا أخرجت لنا الصحوة على مدار السنين الطويلة الماضية؟
كم فقيهاً ترى؟ كم مجتهداً تجد؟ كم عالماً جهبذاً تشهد؟
أبداً، إنما وجدنا فقط ادعاءات ومزايدات، دعاوى العلم والاجتهاد أكثر من الوجود الحقيقي للعلم النافع.، شاهدنا ـ وللأسف الشديد ـ
1) الجرأة على العلماء بالتخطئة والرد والقذف.
2) التسرع في الفتوى بغير علم ..
3) الظاهرية المتفشية حتى صارت هي المذهب المحبوب.
4) الانقطاع وعدم التمام أبداً.
5) شباب صغير مبتدئ لا يُحسن التهجي في الفقه يحكم بين أقوال أهل العلم الفحول ويصوِّب ويخطئ ويرجح.
¥