أن هذا الماء طاهر وليس بطهور. قد يقول بأن هذا الحديث ليس بنص، لاحتمال أن يكون نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن هذا الاغتسال لعدم (( ..... )) فقط، وهذا قال به بعض أهل العلم، لكن الحنابلة أن هذا يسلبه الطهورية ويقولون أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نصَّ على الجنابة، قال: "وهو جنب" فلو كانت المسألة مسألة تقذير، لما كان وهو جنب، لقال "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم" سواء أكان جنباً أو غير جنباً، لاحتمال أن غير الجنب سيغتسل للنظافة، وإذا كان للنظافة، فمعناه أنه متسخ، فاغتسال المتسخ في الماء قد يكون أشد قذارة من هذا الجنب. الشاهد هذا هو الذي فهموه وهذا هو دليلهم، والله أعلم.
ننتقل إلى الثالث.
قال المصنف -عليه رحمة الله-: {الثالث نجس يحرم استعماله مطلقاً} بدأ ببيان اسمه.
ما هو النوع الثالث؟
الماء النجس.
وما حكمه؟ قال: {يحرم استعماله مطلقاً}؛ يعني لا يجوز أن يستعمل، لا في رفع حدث، ولا في زوال خبث، ولا في شرب، ولا في ملامسة، ولا شيء.
ما هو هذا الماء النجس؟
قال: {وهو ما تغير بنجاسة في غير محل تطهير} هذه الصورة الأولى. ضع رقم واحد.
{ما تغير بنجاسة}، ما معناها؟ يعني اختلف لونه أو طعمه أو ريحه بشيء نجس. لكن إذا تغير بشيء طاهر؟ فلا يكون نجساً بل يكون طاهراً.
قوله: {في غير محل التطهير}، ماذا يعني بها؟ محل التطهير، لنفرض مثلاً العضو. فإذا كان الإنسان يريد أن يغسل نجاسة على يده، مثلاً، فإذا جاء الماء والنجاسة على اليد، فإذا وقع الماء على اليد وتغير هذا الماء في اليد. فهل نقول إن الماء تنجس أو لا؟ يقولون: لا يحكم على هذا الماء إلا إذا انفصل عن محل التطهير. ولا نحكم عليه ما دام أنه في مكان التطهير. لماذا؟ لأنه لو حكمنا عليه في محل التطهير، معناه أنه لن توجد نجاسة في الدنيا كلها يمكن أن تطهر، لأنه كلما وقع ماء على اليد التي فيها النجاسة، حكمنا بنجاسة الماء، ولو أتينا بماء آخر ووقع على العضو، حكمنا كذلك بنجاسة الماء، فمتى تطهر اليد هذه؟ لا تطهر ... إذاً ... حكم الماء إنما يأخذه بعد انفصاله عن محل التطهير، أما وهو في محل التطهير فما له حكم، حتى ينفصل.
قال: {وهو ما تغير في غير محل التطهير}، هذه الصورة الأولى للنجس.
الصورة الثانية للنجس، قال: {أو لاقاها في غيره عندها}؛ يعني في غير محل التطهير. {وهو يسير}. ما الفرق بين الأولى والثانية؟ الثانية {أو لاقاها}؛ يعني لاقى الماء النجاسة في غير محل التطهير وكان الماءُ يسيراً.
إذاً ما الفرق بين الصورتين؟
في الصورة الأولى قلنا الماء إذا تغير بالنجاسة، فنقول: هذا الماء نجس بالإجماع.
هل يشترط في الماء أن يكون يسيراً أو كثيراً؟ لا ... إذا تغير الماء بالنجاسة فهو نجس، سواء أكان الماء كثير أو كان الماء قليل. التغير يسلبه الطهورية ويحوله إلى النجاسة.
وإذا لم يتغير الماء؟ إذا وقعت النجاسة في الماء ولم تغيره. هل يصبح هذا الماء نجس أم يبقى على الطهورية؟ هنا التفصيل، مجرد الملاقاة بدون تغير، هذا الذي فيه تفصيل، فيقولون الماء القليل؛ الذي هو دون القلتين ينجس بمجر الملاقاة، والكثير لا ينجس بالملاقاة وإنما ينجس بالتغيير.
إذاً المسألة كالتالي، عندنا ملاقاة وعندنا تغيّر، ما الفرق بينهما؟ التغير لا يكون إلا بعد ملاقاة، إذاً ... الملاقاة أن تقع النجاسة في الماء. هذه نسميها ملاقاة.
إذا وقعت في الماء فحصلت الملاقاة ولم يحصل التغير، هنا ماذا نصف الماء؟ نقول هذا الماء لاقى نجاسة، فإن لاقت النجاسةُ الماء وتغير، يسمى (( ... )) إذاً نفهم من هذا ونقول إذا تغير الماء بالنجاسة، يعني بعد ملاقاة، فإذاً ... الماء إذا وقعت فيه النجاسة فقط ولم يحصل تغيير، يكون مجرد ملاقاة. وقد يحصل التغيير فيصير ملاقاة وتغيير.
ما الذي يؤثر في الماء؟ التغيير يؤثر في الماء مطلقاً سواء كثيراً أو قليلاً، والملاقاة؟ فمجرد سقوط النجاسة في الماء، هل تؤثر فيه؟ نقول نعم إن كان الماء قليلاً، وإذا كان الماء كثير، قلتين فأكثر، لا يؤثر فيه. وما الدليل على هذا؟ الدليل على هذا حديث القلتين "إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء أو لم يحمل الخبث"، يفهم منه أنه إذا كان دون القلتين ينجس بالملاقاة وينجس بمجرد وقوع النجاسة.
¥