تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[د. إبراهيم السامرائي - الناقد المبدع]

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[26 - 10 - 2006, 12:48 ص]ـ

الأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي - رحمه الله

الناقد المبدع

يُعدّ الأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي رحمه الله واحداً من أبرز علماء العربية المجدّدين في العصر الحديث، وهو أحد الذين كرّسوا جهدهم وفكرهم لخدمة لغة "الذكر الحكيم" بسعيهم الحثيث لتجديد اللّغة العربية وإحيائها وتنقيتها ممّا علق بها من الشوائب التي عكّرت صفاءها ورونقها، وأعاقت نموّها وتطوّرها في عصور الاجترار والركود الحضاري والانحطاط الفكري العربي، وتصدّيهم ـ كذلك ـ للهجمة التي تستهدف النيل من كيان الأمة وهويّتها والمتمثّل في محاولات إضعاف اللّغة العربية والتقليل من شأنها وتهوينها في نفوس أبنائها ..

وقد وهب الدكتور إبراهيم السامرائي نفسه، وكرّس جهده ووقته للعلم بالبحث والتأليف والتدريس ورفد المكتبة العربية بعشرات الكتب ومئات المقالات والأبحاث تأليفاً وتحقيقاً وترجمةً، في مجال اللّغة العربية تأريخها ونحوها وصرفها وآدابها بصفة خاصّة، وفي مجال الفكر العربي والإسلامي بصفة عامّة.

وإنّ من الكتب الجليلة التي كنتُ قد قرأتُها لأستاذنا الفاضل الدكتور إبراهيم السامرائي رحمه الله: (أشتات في اللغة والأدب) .. وأنا لستُ هنا بصدد التعريف بهذا الكتاب .. وكلّ ما في الأمر أنّني سأقتبس منه شذوراً من ذهب، فيها بيان لملكة أستاذنا الناقدة، ورؤيته المبحرة في الأدب واللغة .. وفيها ما فيها من منافع عظيمة وفوائد جليلة لطلبة العلم وأهله سواء بسواء ..

ففي ذلك الكتاب فصلٌ بعنوان (من تراث النصرانية) .. وجاء فيه نقدٌ لاذع على محقّق كتاب (الدلائل للحسن البهلول) .. حيث يقول الدكتور السامرّائي في بدايته: "إنّ المحقّق الفاضل لم يكن من أهل اللّغة العربية، ولذلك جاء في تقديمه الكثيرُ من الجديد الذي حفلت به العربية المعاصرة التي لا يمكن أنْ تكون في تقديم لمادّة عتيقة تاريخية نصرانية".

(ومن هذا:

1 - جاء في الصفحة 9 قوله: "وأنا أُعنَى بتاريخ العلوم مركّزاً على البواكير".

أقول: قول المحقّق هذا وهو "مركّزاً" عربية جديدة لا تصلح أنْ تكون في حشو تقديم لمادّة عتيقة تاريخية، لأنّها مأخوذة من فرنسية قذف بها التراجمة الذين اقتصروا في صنعتهم على ما يُسمّى "الترجمة الحرفية" وهي من قول الفرنسيين Concentre sur .

أقول: إنّ "التركيز" في العربية ذات صلة برَكْز الشيء في موضعه، كأنْ يُقال: ركزت العمود أو نحو هذا. ولو استعمل المُعرِب في عصرنا هذه العبارة المنقولة في مقالة صحفية تتّصل بما يهمّنا في السياسة والاقتصاد وغيرهما، ما كان لي هذا التنبيه.

2 - وجاء في هذه الصفحة قوله:

"وأحصر نطاق بحثي ضمن مناطق معيّنة وفترات محدّدة ومجالات أقرب إلى الحياة، خشية التشتّت والسطحية".

أقول: لقد ميّز المحقّق بين "النطاق" و"المنطقة" فخصّ كلاً منهما بدلالة، وفاتَه أنّ "النطاق" مثل "المنطقة". وله عذره فهذه عربية معاصرة تصلح في غير هذا التقديم. ثمّ إنّ "الفترات" في هذه العربية الجديدة قد صُرفت إلى معنى الزمن، وكأنّها "الحِقَب" ولم يكن لـ"الفترة" هذا المعنى، وذلك أنّها تعني "الانقطاع". وهذا نتبيّنه في قوله تعالى: ((يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترة من الرسل)).

وأقول: و"المجالات" جمع "مجال" استعمال جديد لا بدّ أن يكون منقولاً من فرنسية أو إنجليزية.

ثمّ نأتي إلى "السطحية" مصدراً صناعياً أريد به ما هو supberficiel .

ولو أنّ هذا كلّه في غير هذا "التقديم" ما كان لي أنْ أثبته في هذا الدرس.

3 - وجاء في هذه الصفحة أيضاً قوله:

"فتراني أتناول معطيات أولى الحضارات ... "

أقول: "المعطيات" جمع "معطى" اسم المفعول من الفعل "أعطى"، غير أنّ هذا الجمع لا صلة له بالـ"العطاء" بل أريد به لما هو Les Dannees في الفرنسية.

والكلمة في الفرنسية ذات دلالة فلسفية وهي ما يمكن أن يُستفاد من الشيء الذي يعرض لصاحب العلم. وأنتَ تجد سبيل هذه الكلمة في المعجم الفلسفي بـ La Land .

وأتجاوز هذه الصفحة إلى قوله:

4 - ... بحيث يمكننا التعرّف على علوم الأقدمين ... "

أقول: إنّ الفعل "تعرّف" متعدّ وليس قاصراً، فكان يجب أن يقول: أن نتعرّف علوم الأقدمين. قال الشاعر الهذلي القديم:

وقالوا تعرّفها المنازل من مِنًى

## وما كلّ مَن وافى مِنًى أنا عارف

5 - وجاء في هذه الصفحة أيضاً في كلامه على فؤاد سزكين، وقال: إنّه وعده أن يرسل إليه مخطوط الكتاب ثم أضاف: كتقدير لما بذلت من عمل في مهرجان أفرام - حنين.

أقول: في قوله "كتقدير" نجد الكاف التي تفيد التشبيه، بل إنّها أسلوب فرنسي في قول الفرنسيين Comme ، ونظير هذا في الإنجليزية.

6 - وجاء في هذه الصفحة كلام المحقّق في طبعة ثانية للكتاب إذا ما توفّرت له موجبات الطبع من تصويبات ودراسات.

أقول: أراد بـ"التصويبات" ما يفيد التصحيح للخطأ. وحقيقة "التصويب" الحكم على ما هو صواب وليس تصحيح الخطأ.

7 - وجاء فيها أيضاً قوله:

"يكفينا استعراض أبواب سِفرَة الشَيّق".

أقول: إنّ "الشيّق" هو المشتاق كقول الشاعر:

ما ناحَ طيرٌ أو ترنّم شاعرٌ

## إلا انثَنَيْتُ ولي فُؤادٌ شيّقُ

وأجتزيء مما ورد في "التقديم" الذي لا يمكن أن يكون درس لمادّة قديمة تاريخية.

يتبع ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير