حكاية سحَّارة (15)
ـ[معاوية]ــــــــ[02 - 11 - 2006, 05:39 ص]ـ
..
قراءة من كتاب خرافي
لعبد الله بن محمد الغذامي ....
15 - حكاية سحَّارة
ــ 1 ــ
ظن سمير أنه قد حقق أمنيته الغالية وذلك بإنقاذ أستاذه مسعود من تسلط ناظر المدرسة. وسوف ينطلق المعلم مسعود من الآن فصاعدًا ليحقق لنفسه الخلاص والحرية. غير أن ذلك لم يكن، فقد قرر المعلم مسعود العودة إلى المدرسة ومواجهة الناظر وفضح نواياه التآمرية أمام الجميع.
عاد المعلم مسعود من صبيحة اليوم التالي ودخل إلى مكتب الناظر يحمل في نفسه كل ما في العالم من غضب وتحدٍّ وغيره. ولكن غضبه تكسر على صدى ضحكات الأستاذ حسون، ناظر المدرسة.
راح حسون يضحك ضحكات مجلجلة ترددت أصداؤها في كافة أرجاء المدرسة، وانطلق السيد الناظر مهرولاً ما بين الفصول والقاعات والمكاتب يأمر التلاميذ والمدرسين بالخروج إلى فناء المدرسة وممارسة الضحك والضحك بكل ما تقوى عليه حناجرهم وصدورهم. وضجت المدرسة بالضحك وانطلق التلاميذ ضاحكين ومهرولين بعد سنة كاملة من الكبت والمنع وتحريم الضحك والكلام. وظهر الأستاذ حسون وكأنه مهرج في سيرك يقود قوافل الضحك واللعب.
يحدث هذا في الفناء تحت نظر وسمع المعلم مسعود الذي ظل داخل مبنى الإدارة ينظر ويعجب عاجزًا عن فهم ما يحدث وعاجزًا عن التصرف.
مرّت ساعة أو ساعتان على هذا المهرجان الضاحك وسط المدرسة. والسيد الناظر يجري بين الصفوف يغري الجميع ويحثهم على الضحك واللعب، وكلما ظهر فتور على بعض الوجوه هب الناظر إلى حشد سرب من المعلمين يضعهم على أغصان شجرة السدر ويلوّح لهم بالعصا ليجعلهم يتصرفون كالقرود وذلك لاستثارة الضحك في صدور التلاميذ، وقد تجاوب المعلمون مع هذه اللعبة إلى أن صفَّق الناظر بكفيه وأمر الجميع بالتوقف والإنصات لكي يستمعوا إلى إعلان مهم سوف يعلنه عليهم.
ــ 2 ــ
أمسك حسون بالعصا ووضع على رأسه عمامة سميكة واعتلى فوق أكبر أغصان الشجرة ثم نادى بأعلى صوته قائلاً:
أيها الأحبه أبنائي الطلاب وإخواني المعلمين، لقد أمرتكم بالفرح وشاركتكم فيه لأن معلمكم المحبوب الأستاذ مسعود بن عبد الهادي (لقد أخطأ الناظر في اسم المعلم فهو ابن عبد القيوم وليس ابن عبد الهادي ... ؟) قد وافق على رجاءاتي وتوسلاتي المستمرة معه في أن يتولى منصب مساعد الناظر. لقد وافق أخيرًا ــ بارك الله فيه ــ ولسوف ينوب عني في إدارة شؤونكم وشؤون مدرستكم والعناية بشجرتكم، شجرة السدر، شجرة البركة ورمز الحياة. هذا يا أخوتي هو سبب فرحتنا هذه.
ولسوف أزيدكم احتفالاً وفرحًا ــ وذلك بأن تتوجهوا معي الآن إلى حظيرة الأغنام وتنحروا الخراف التي فيها ليكتمل حفلنا بمائدة تكون غذاء للجميع بعد نهاية الدروس.
ـ[معاوية]ــــــــ[03 - 11 - 2006, 10:26 م]ـ
ــ 3 ــ
صعق الأستاذ مسعود من هذا المنظر والمسمع وهاله الأمر ولم يجد بدًا من الإنزواء داخل غرفة الإدارة سائلاً الله البصيرة والفرج.
ومرّت الساعات طويلة وثقيلة على ضمير مسعود. كان يجلس وحيدًا في هذه الغرفة منسحبًا إلى إلى داخل نفسه غارقًا في توجساته، وقد تسمرت عيناه في الحائط وفجأة وجد نفسه يبتسم عن غير قصد وعن غير رغبة وذلك حينما رأى لوحة على الجدار منقوشًا عليها كلمات باللغة الإنجليزية هذا نصها:
Do not take Life Seriously. You will never get out of it alife.
تبسم رغم غضبه ورغم بؤس حاله وراح يترجم العبارة ويرددها في نفسه: (لا تأخذ الحياة بجدية. فأنت لن تخرج منها حيًّا) ويزعجه وقع الكلمات عربية ولا يحس بتطابق النص أو بانضباطه فيعاود الترجمة قائلاً: (لا تشتبك مع الحياة بجدية فأنت لن تفارقها حيًّا).
ويعدو مرة ثالثة ليقول: (لا تكن جادًا مع حياة لن تتركك حيًّا).
وما لبث أن صرخ بأعلى صوته ساخطًا على هذا الناظر الجبار لأنه أدرك كم وراء هذه العبارة من دلالات مشفرة تعمّد الناظر إيقاع مسعود في تشابكاتها ليجعله يدخل في متاهات التوجس والترهب والتهديد والتشكيك.
ضرب على ركبته وقرر أن يصبر وأن يصابر.
انتهت الحكاية الخامسة عشر