تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الاستفهام المجازي في كتاب (الصاحبي) لابن فارس (ت 395) هـ]

ـ[زيد الخيل]ــــــــ[26 - 11 - 2006, 01:56 ص]ـ

:::

الاستفهام المجازي في كتاب (الصاحبي) لابن فارس (ت 395) هـ) ـــ د. منيرة فاعور*

غرض البحث: دراسة جهود ابن فارس في تطوير البحث البلاغي من خلال دراسة أحد أكثر هذه الأساليب ثراء في كتابه، وهو أسلوب (الاستفهام)، فقد وجدت في كتابه مجموعة من الأحكام والإشارات المنظمة، التي كان لها ـ في رأيي ـ أثرٌ في تغذية الدرس البلاغي بروافد فياضة من الثراء العلمي، والدقة في التفكير.

وسيلة البحث: دراسة مبحث الاستفهام في كتابه، وعرض ما جاء فيه من أسرار بلاغية، أو معان مجازية، ومناقشتها، ومقارنتها ببعض الآراء التي ذُكرت في هذا الموضوع.

نتيجة البحث: ثبت أن لابن فارس جهداً واضحاً في دفع عجلة البلاغة العربية إلى الأمام، فقد درس هذا الأسلوب بطريقة عالم البلاغة المعني بدقائقها وتفاصيلها، فأزاح عنه ما كان يكتنفه من توزيع وتفرق لأقسامه ومعانيه، فلمَّ شتاته، ونظم ما كان منه من أفكار متناثرة، ونتف مفرقة، في باب واحد مستقل، كما عمّق كثيراً من المعاني البلاغية التي مر بها سابقوه، وأضاف إليها ما أضاف مما هداه إليه حسه البلاغي، وبصيرته النفاذة في الكشف عما رواء النص من دلالات وإيحاءات. وهذا فضل يجب ألا ينساه لابن فارس من يدرس علوم البلاغة وتاريخها.

الاستفهام المجازي عند ابن فارس (ت 395 هـ) ([1])

الاستفهام ـ لغة ـ مصدر استفهمت، أي طلبت الفهم، يقول ابن منظور "وأفْهَمَهُ الأمْرَ وفَهَّمَهُ إيَّاهُ: جعله يَفْهَمُهُ، واسْتَفْهَمَهُ: سألهُ أن يُفَهِّمُهُ، وقد اسْتَفْهَمَنِي الشيءَ فأَفْهَمْتُهُ وَفَهَّمْتُهُ وَفَهَّمْتُهُ تَفهيماً" ([2]).

والاستفهام ـ اصطلاحاً ـ طلب العلم بشيء لم يكن معلوماً من قبل، بإحدى أدوات ([3]) الاستفهام.

وأسلوب الاستفهام هو أحد الأنواع الخمسة للإنشاء الطلبي، التي هي: الأمر، والنهي، والتمني، والنداء فضلاً عن الاستفهام. والدارس لهذا الأسلوب يدرسه في منظومته الخاصة، وهي الإنشاء الطلبي، ضمن علم المعاني.

والاستفهام نوعان: حقيقي يتوخى به صاحبه معرفة ما يجهله، أو مجازي، يكون السائل عالماً فيه بما يسأل عنه، لكنه يقصد فيه معنى من المعاني المجازية التي يفهمها المتلقي من السياق اللغوي عند تأمل النص، وفقهه، وسبر ما يكمن وراءه من معان وأسرار، وهذه المعاني المجازية ثرية ومتنوعة تتسع لشتى ضروب الفكر، ومختلف أحوال المشاعر.

الاستفهام عند ابن فارس:

أولى ابن فارس أسلوب الاستفهام عناية خاصة، فقد جعله المبحث الثاني من باب (معاني الكلام) ([4])، وأفرد له قسماً خاصاً، عرض فيه لتعريفه، وسبب تسميته، والمعاني البلاغية التي حققها خروج صيغه عن أصل وضعها.

يقول: "الاستخبار: طلب خبر ما ليس عند المُسْتَخْبِر، وهو الاستفهام وذكر ناس أن بين الاستخبار والاستفهام أدنى فرق: قالوا: وذلك أن أولى الحالين الاستخبار، لأنك تستخبر فتُجاب بشيء، فربما فهمتَهُ، وربما لم تفهمه، فإذا سألت ثانية فأنت مُسْتفهم، تقول: أفهمني ما قُلتَه لي. قالوا: والدليل على ذلك أن البارئ ـ جل ثناؤه ـ يوصف بالخُبْر ولا يوصف بالفهم" ([5]).

ويبدو أن ابن فارس في تسمية هذا الأسلوب (استخباراً) يسير إثر ثعلب ([6]) (ت 291هـ) الذي ذكر أن قواعد الشعر أربع: أمر ونهي وخبر واستخبار، وإثر ابن قتيبة (ت 276هـ) في كتابه أدب الكاتب ([7])، الذي جعل الكلام فيه أربعة: أمر وخبر واستخبار ورغبة، لكن ابن قتيبة لا يلبث أن يطلق عليه استفهاماً ([8])، شأنه في ذلك شأن الرعيل الأعظم من البلاغيين، وشأن ابن فارس كذلك، الذي، وإن كان قد اختار هذه التسمية، جعلهما بمعنى واحد كما لاحظنا من تعريفه.

المعاني المجازية للاستفهام عند ابن فارس:

لاحظ ابن فارس أن الاستفهام نوعان: الأول قائم على الأصل اللغوي، يكون "ظاهره موافقاً لباطنه، كسؤال عما لا تعلمه، فتقول: ما عندك؟، ومن رأيت؟ " ([9])

والآخر: هو الاستفهام المجازي، ويعبر عنه بقوله: "وقد لا يكون كذلك" ([10])، وهو بذلك يشير إلى خروجه عن ذلك الأصل اللغوي إلى معان مجازية، وهذه المعاني كثيرة أطال في استقصائها حتى أوصلها إلى (15) معنى، هي:

1 ـ التعجب أو التفخيم:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير