حكاية سحَّارة (16) " موت المجاز "
ـ[معاوية]ــــــــ[04 - 12 - 2006, 02:44 م]ـ
..
قراءة من كتاب خرافي
لعبد الله بن محمد الغذامي ....
16 - حكاية سحَّارة
ــ 1 ــ
لم تمر سوى أيام قليلة مذ أعلن حسون تعيين مسعود نائبًا له، حتى جاء يوم من أيام الناظر المجيدة حيث دخل فجأة على مكتب المعلم مسعود وبادره بالكلام قائلا له إنه اكتشف أخيرًا علّة هذه المدرسة وبلواها. وهي أن (الحكمة) لم تأخذ حقها من المعاني الفعلية ودلل على ذلك بالحكمة التي تقول (من طلب العلا سهر الليالي). وراح حسون يشرح معنى هذه الحكمة ويشير إلى ارتباط العلا بالسهر. مما يعني أن عدم السهر يفضي إلى السقوط. ونحن في هذه المدرسة نعيش السقوط بعينه، ولا حلّ لنا إلاّ أن نحقق شرط الحكمة بالسهر. ولهذا فإن السيد الناظر راح يشرح لمسعود خطته الجديدة في فرض السهر على التلاميذ من أجل أن تتفتح لهم أبواب العلا.
ــ 2 ــ
بدأ المشروع الجديد بأن قرر الأستاذ حسون منع الطلاب من النوم في الليل وراح يخطط لذلك عمليًّا فوضع الأساتذة على مداخل القاعات وعلى الممرات وأمرهم بالوقوف ومراقبة أي طالب ينعس أو تفتر قوته، ثم زاد على ذلك بأن وضع أجراسًا في رقاب الطلاب بحيث تدق هذه الأجراس في كل مرة ترتخي فيها الرقبة. وجعل في أركان الفصل ساعات تدق كل خمس دقائق لكي تساعد على الجلبة والضجيج الذي يطرد النوم من عيون الطلاب.
وراح الأستاذ حسون يدور على الطلاب والمعلمين يشرح لهم نظريته هذه، ويقول لهم إن اللغة العربية ابتليت بالمجاز. وأن المجاز مؤامرة على المعنى وعلى المجتمع لأنه يحرف الدلالات ويفصل بين المفردة ومعناها. ولهذا سقطت الحضارة وتأخرت الأمة لأن الناس صاروا يأخذون الحكمة مأخذا مجازيًّا ويفسرون سهر الليالي تفسيرًا رمزيًّا يحول المعنى ويبدله.
وأعلن حسون عن عزمه على إعادة المعاني للألفاظ. ولهذا قرر إيقاظ المدرسة في الليل ومنع النوم من الدخول إلى عيون التلاميذ في سبيل تحقيق شرط العلا.
هذا ما جرى للأولاد، أما الأساتذة فقد كان نصيبهم من (الحكمة) أقسى، ذلك لأن السيد الناظر حينما تمعن منطق الحكمة التي تقول إن (العلم نور) وقاس حال المعلمين الذين هم رموز العلم والمعرفة هاله أن لا يرى النور يشع منهم. ولذا فإما أنهم غير متعلمين وإما أنهم لم يستشعروا حقوق العلم ونورانيته. ولذا قرر الأستاذ حسون أن يجعل من معلميه مادة لتجريب منطق الحكمة، وراح يخطط لتنفيذ فكرته وبدأ أولاً بإلغاء الأنوار الليلية في المدرسة وحينما جنَّ الظلام واحتلك الليل أخذ الأساتذة واحدًا واحدًا وراح يعلقهم في مواقع المصابيح ويشبك أسلاك الكهرباء في آذانهم بعد أن علقهم من رقابهم وانتظر النور لكي يشع عبر مناخرهم وعيونهم وكلما أضاءت عين أو منخر صفق السيد حسون وصرخ معلنًا فرحه بنجاح خطته وتحقق معاني الكلمات، وراح يطلق صوته بالفرح قائلاً: اليوم تستعيد اللغة معانيها وتسترد الحكمة منطقها.
وإنك لتراه الليل كله يجري بين الممرات والقاعات ينظر في التلاميذ السهارى ويتمعن بالمعلمين المعلقين في السقوف وعلى الجدران، وترى وجهه يتدفق بالبهجة من جهة والتشفي من عدوّه اللدود السيد المجاز الذي أثبت الأستاذ حسون أنه سرّ التأخر والضياع ولم يك من الناظر إلاّ أن كتب لوحة كبيرة علقها على مدخل المدرسة يعلن فيها (موت المجاز). ويبشر بها بقرب اللحظة التي ترتفع فيها رايات العلا على جباه التلاميذ، وتكتمل نوارانية المعلمين الذين صاروا مصابيح مشعة في ليالي الناظر حسون.
انتهت الحكاية السادسة عشر
ـ[نسيبة]ــــــــ[05 - 12 - 2006, 12:17 م]ـ
السلام عليكم
عودا حميدا
ـ[معاوية]ــــــــ[05 - 12 - 2006, 02:27 م]ـ
آمين
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا