تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[في مستقبل اللغة العربية]

ـ[عبدالرحمن السليمان]ــــــــ[22 - 10 - 2006, 04:40 ص]ـ

مستقبل اللغة العربية

في الوقت الذي يقبل الأجانب على تعلم لغتنا إقبالاً ملفتاً للنظر، خصوصاً بعد الحادي عشر من سبتمبر ... ، نجد نفوراً منها لدى الأجيال الناشئة جعل بعض زوارنا من المثقفين العرب يطرح علي ذات مرة سؤالاً عن جدوى تعلم الأجانب العربية وكأن تعلمها خلا من أية فائدة تذكر. فمن الطبيعي إذاً أن يُقترح إلغاؤها من الاستعمال لغةً دوليةً في هيئة الأمم المتحدة، لأن كثيراً من أبنائها بدؤوا فعلاً بإسقاطها من حساباتهم لدى تعاملهم مع الآخرين. والأنظمة العربية ومجامع اللغة ووزارات الثقافة والتعليم والمراكز القومية للأبحاث والقائمون على الفضائيات العربية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة كلهم مسؤولون عن تراجع العربية في عقر دارها وفي أوساط المحافل الدولية. ولكن أليست هذه المؤسسات مؤسسات عربية رسمية تعاني مما يعاني منه سائر المؤسسات الرسمية من الشلل من الرأس إلى أخمص القدمين، فكيف نتوقع منها غير التراجع والتخبط في الأداء؟ وكيف يحترم العالم لغة تصغر في أعين أبنائها؟ ولماذا لا يتكلم مسؤولونا في الخارج بلغتهم الوطنية مثلما يفعل سائر مسؤولي الأمم، علماً أن أكثرهم يتحدث اللغات الأجنبية بركاكة مثيرة للضحط، وبعضهم ـ ومنهم رؤساء دول ـ يبدون كالأطفال وهم يتحدثون الإنكليزية!

شخصياً لم أعد أعرف كيف يمكن إنقاذ العربية من المد اللغوي الأجنبي في عقر دارها في ظل هذا الانحطاط العربي. فالمدارس الإنكليزية والفرنسية كثرت في ديارنا في الآونة الأخيرة، وأهل النخب الاقتصادية والفكرية يثقون بها ثقة كبيرة ويرسلون إليها أبناءهم وبناتهم، وناهيك بذلك خطراً على مستقبل الأمة!

في الوقت الذي ينظر فيه بعض العرب نظرة ازدراء إلى لغتهم الفصيحة ويعتقدون أنها من أسباب تخلفهم، ويقترحون إلغاءها أو استبدالها بالعاميات أو استبدال كتابتها بالكتابة اللاتينية أو إلغاء الجنس والمثنى منها إلى غير ذلك من دعوات الهدم والتدمير، تنتشر اللغة العربية في العالم انتشاراً مثيراً للدهشة والنظر والتأمل. فلقد زاد عدد الطلاب الأجانب الذين يقبلون على دراستها أضعافاً مضاعفةً في السنوات الأخيرة، وازداد اهتمام الأجانب بتدرسيها حتى برمجوها في المراحل الإعدادية والثانوية كما فعلت فرنسا وغيرها من الدول الغربية، وكما تفعل بلجيكا هذه الأيام، التي تبحث بجدية في إمكانية برمجتها في المرحلة الثانوية أيضاً، وذلك إلى جانب الإنكليزية والفرنسية والألمانية التي تدرس في المرحلتين الإعدادية والثانوية.

يزداد اهتمام الغربيين باللغة العربية لأسباب كثيرة منها تقرير مجلة Science الذي أشار إلى أن العربية ستحتل بحلول سنة 2050 المرتبة الثالثة بين لغات البشر، بعد الصينية والهندية، وقبل الإنكليزية والإسبانية. ومن شأن الغربيين أن يهيئوا أنفسهم لتطورات تحصل في العالم بناء على قراءات علمية وإحصائيات دقيقة تنبئ بما سيؤول الحال اللغوي عليه في المستقبل، فيستثمرون في برمجة اللغات الذي سيكون لها شأن أكبر في المستقبل وذلك بهدف تأمين وسائل اطلاعهم على أحوال المتحدثين بتلك اللغات وتوفير وسائل التواصل معهم!

والمقبلون على دراسة العربية في الغرب ليسوا فقط من طلاب العربية التقليديين مثل المستشرقين والمستعربين والمترجمين، بل اتسع نطاق الاهتمام بها ليشمل جميع شرائح المجتمع. ومنذ سنوات فرضت علينا الجامعات ـ نتيجة لقرار وزاري ـ ممارسة دور اجتماعي يتمثل ببرمجة دروس مفيدة للجمهور العام، أي لغير الطلاب النظاميين، فبرمجتُ تدريس العربية للجمهور العام في المساء، وقلت وقتها إن طاقتنا لا تسمح باستيعاب أكثر من 30 طالبا من الجمهور العام في السنة الواحدة، يدرسونها دراسة مكثفة لمدة ثلاث سنوات. والنتيجة: عندنا اليوم قوائم انتظار طويلة من الجمهور العام فيها المحامي والطبيب والقاضي والمهندس والتاجر والصحفي والبائع وربة المنزل والداخل في الإسلام والفنان والموسيقي، وهي القوائم التي جعلت عميدة كلية الآداب والترجمة تدعوني إلى اجتماع طارئ وتطلب مني إلغاء الحد الأدنى المحدد للقبول في الدراسة (وهو 30 طالبا) وجعله غير محدد واستقطاب الأساتذة اللازمين لذلك! ووضع المسؤول المالي تحت تصرفي ميزانية لبرمجة أقسام أخرى تكفي لاستيعاب قوائم الانتظار كافة وإلغائها من الوجود!

قبل أيام سألت طالبة من الجمهور العام ـ تحضر لدكتوراة في تاريخ الفن ـ عن سبب إقبالها على تعلم العربية، فأجابتني بالحرف الواحد: لأن العربية ـ إلى جانب اليونانية واللاتينية ـ واحدة من ثلاث لغات هي مصدر الحضارة الحديثة! وأضافت أن لها غرضاً آخر هو البحث في جمالية الخط العربي.

دعوت سفراء عربا كثيرين لزيارتنا في الجامعة والاطلاع على ذلك علهم يمارسون دورا فاعلا في دعم انتشار العربية في العالم دعما معنويا، فما لبى الدعوة منهم إلا سفير دولة خليجية واحدة! ولو شاهدتم ماذا يفعل سفراء الدول التي تدرس لغات بلادهم في جامعتنا، وكيف يهدون الجامعة الموسوعات والقواميس والمراجع، وكيف حضورهم في المناسبات الثقافية والعلمية المنظمة للتعريف بلغات بلادهم وثقافاتها، لطالبتم بإقالة جميع سفراء العرب من مناصبهم!

* فماذا نحن فاعلون من أجل ذلك؟!

* ماذا نحن فاعلون من أجل إيقاف انصراف بعض شبابنا عن العربية؟!

* ماذا نحن فاعلون من أجل دعم المقبلين على تعلمها من الأجانب، علماً أن لكل لغة مؤسسات تسهر على نشرها في العالم إلا العربية؟

* أم هي العناية الإلهية التي تضمن لهذه اللغة استمرارها رغم تكالب بعض أبنائها مع المغرضين من شذاذ الآفاق على تدميرها لحرمان الإنسانية من فوائدها الجليلة؟!

* وهل تجديد المجامع اللغوية وإعادة هيكلتها وبث الحياة فيها أمر محال أيضاً؟

* وهل بلغ الخذلان بالعرب أن يعجزوا عن إيجاد تمويل يدعم لغتهم دولياً، ويضمن لمكتب تنسيق التعريب في الرباط ـــ المهدد بإيقاف نشاطه بسبب شح الموارد المالية ـــ الاستمرارية، في وقت ينفقون فيه على المهرجانات والفضائيات العربية ما ينفقون؟

أجيبوا يا أهل العربية!

عبدالرحمن السليمان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير