حكاية سحَّارة (17) " مرض الاختلاف "
ـ[معاوية]ــــــــ[06 - 12 - 2006, 03:54 م]ـ
..
قراءة من كتاب خرافي
لعبد الله بن محمد الغذامي ....
17 - حكاية سحَّارة
ــ 1 ــ
لم يحدث من قبل قط أن تلقّى العم ممدوح أي استدعاء للحضور للمدرسة بشأن ابنه سمير على وجه الخصوص. ولهذا فقد ساور القلق العم ممدوح مذ تلقى خطابًا عاجلاً من الأستاذ حسون ناظر المدرسة الإبتدائية للبنين فيه دعوة مبهمة للحضور إلى مكتب الناظر للتشاور معه في شؤون التلميذ سمير.
ذهب العم ممدوح وهو الرجل البسيط الهادئ الذي لا يعرف من الحياة غير السخاء والمحبة والتراحم، ذهب إلى مكتب الناظر وجلس منتظرًا ومتوجسًا إلى أن حضر الأستاذ حسون متأبطًا عصاه ومقطبًا جبينه ناظرًا ذات اليمين وذات الشمال وكأنه أراد أن يغرس الخوف في نفس العم ممدوح، ولم يطرح الناظر السلام كما هو متوقع ولكنه شق طريقه إلى المكتب واستدار من حول الماصة متظاهرًا بالانشغال والتحفز. ولكن العم ممدوح قام من على كرسيه واتجه إلى الناظر مسلمًا ومصافحًا، وقدم نفسه للناظر وفتح خطاب الاستدعاء من يديه .. وعند ذلك أدارالناظر وجهه بكل حفاوة وترحاب ورفع صوته بالتحية مع كلمات اعتذار عن عدم معرفته بزائره الجليل. وظهر من الناظر مظهر المودة والتقدير وحسن الضيافة والمعاملة وطلب من العم ممدوح أن يجلس بجانبه لأنه يريده في أمر جلل.
قال الناظر للعم ممدوح إن ابنه سمير بحاجة إلى العناية والتربية وأن المدرسة والبيت لا بدّ أن يتشاركا في هذه المهمة الحساسة.
أما مشكلة سمير فهي تتلخّص بأنه ولد شاذ. شاذ عن أقرانه وزملائه ومختلف عنهم. وهذا في رأي الأستاذ الناظر علامة على مرض خطير اسمه (داء الاختلاف). وهذا الداء إذا أصاب إنسانًا أخرجه عن قطيع أجناسه وأفراده في عالم غير متجانس مع بيئته ومجتمعه وناسه.
وراح الأستاذ حسون يشرح للعم ممدوح أعراض مرض ابنه سمير. فقال إن سميرًا لا يجاري زملاءه فيما يفعلون ولا فيما يقولون. وكل تلاميذ المدرسة يسهرون ليلهم وينامون في النهار طلبًا للعلا الذي يحتاج طلبه إلى سهر الليالي. كما أنهم قد أوكلوا أمرهم للسيد الناظر يفكر ويشقى بالنيابة عنهم وليس لهم إلاّ أن يعايشوا الحياة حسبما يصفها لهم السيد الناظر. بينما يشذ سمير عن هؤلاء ويمارس التفكير بنفسه وبمفرده. وهذا خطر عظيم يهدد عقل فتى يافع مثل سمير. وذكر الناظر قصصًا عن رجال يعرفهم قضى عليهم مرض التفكير والاختلاف منهم صديقه الأستاذ (خليل أحمد) الذي ابتلى بمرض التفكير وداهمته الحالة مرة وهو في المسجد فخبط رأسه في سارية وسقط ميتًا. والخوف الآن على سمير من أن يموت بخبطة على رأسه بسبب التفكير. وشرح الناظر للعم ممدوح بكلمات مبسطة كيف أن التفكير إذا مارسه الإنسان بمفرده أدى به إلى مهالك (الاختلاف) والتفرد والعزلة ثم إلى موت محقق بسارية أو تحت عجلات سيارة ــ كما حدث لرجل فرنسي يعرفه الناظر اسمه رولاند ابن بارثيزـ.
ــ 2 ــ
خرج العم ممدوح من المدرسة خائفًا ومحتارًا في شأن ولده سمير. أما السيد الناظر فإنه لم يدع مجالاً للتفريط أو التهاون فقد بادر إلى مهاتفة والدة سمير وأخبرها بظهور أعراض مرض الاختلاف والتفكير على ولدها. ولقد ذهلت الأم واستبد بها الخوف على ابنها سمير ولذا بادرت إلى استدعاء (أم علي) جارتهم ذات الخبرة والمعرفة بأدواء النفوس وطلبت منها المساعدة في علاج سمير من مرض (التفكير) ولقد اقترحت أم علي أن يتعالج سمير باستطعام (الفول) ذلك لأن الأوائل يقولون من أكل الفول شهرًا وأكثر فقد استثور. وهذا هو السبيل إلى تبليد رأس سمير. ولقد تبرعت أم علي بطحن الفول وتنعيمه من أجل وضعه مع الشاي لكي يتشربه سمير فيما لو عافته نفسه من الأكل اليومي. ولم تخرج أم علي إلاّ بعد أن درّست والدة سمير كل أنواع الحِيَل التي تتضمن مواظبة الولد على تناول الفول لمدة شهر بلا انقطاع.
ــ 3 ــ
ظل سمير يطعم الفول ويتشربه دون أن تظهر عليه مؤشرات الشفاء فلم يتبلد ولم يزل يفكر ويختلف عن أقرانه ولذا فقد لجأت أم سمير إلى طبيبة أخرى غير أم علي لطلب الدواء وجاءتها نصائح الجيران بأن تغذي ابنها بلحم الثيران لكي يتطبع بطبع هذه الحيوانات ويتحول إلى ثور فيسلم من دائه المتربص به.
ومن هنا اكتملت وجبة الطعام اليومية لسمير فول ولحم ثور أملاً في أن يكون ثورًا مثل سائر أقرانه ويتخلص من داء الاختلاف ومرض التفكير.
انتهت الحكاية السابعة عشر