قد ملأت الأرض مالا وولدا. فمن يشتري مني تركة» عاد «اليوم بدرهمين؟ فجعل الناس يبكون حتى سمع نشيجهم من خارج المسجد.
مقام المذنبين غدا عسير إذا ما النار قربها القدير
وقد نصب الصراط لكي تجوزوا فلا ينجو الكبير ولا الصغير
وقد نسفت جبال الأرض نسفا ويبست البحور فلا بحور
وبرزت الجحيم لكل عبد على أهل المعاد لها زفير
فيا حبات القلوب: تفكروا واعتبروا، وابكوا وتباكوا، واستعدوا لليوم الثقيل، والهول الكبير، والخطب الجليل، والعذاب الشديد الطويل ..
اين متاعكم
دخل رجل على أبي ذر ذات مرة، فجعل يقلب الطرف في بيته، فلم يجد فيه متاعاً فقال له: يا أبا ذر، أين متاعكم؟
فقال: لنا بيت هناك - يعني الآخرة - نرسل إليه صالح متاعنا.
ففهم الرجل مراده وقال له: ولكن لابد لك من متاع مادمت في هذه الدار- يعني الدنيا - فأجاب: ولكن صاحب المنزل لا يتركنا فيه.
وبعث إليه أمير الشام بثلاثمائة دينار، وقال له: استعن بها على قضاء حاجتك، فردها إليه، وقال: أما وجد أمير الشام عبداً لله أهون عليه مني؟
طاعون الكوفة
وقع» بالكوفة «طاعون فخرج صديق لشريح منها إلى» النجف «يبتغي المهرب من الوباء، فكتب إليه شريح: أما بعد، فإن الموضع الذي تركته لا يقرب حمامك؛ ولا يسلب منك أيامك، وإن الموضع الذي صرت إليه في قبضة من لا يعجزه طلب، ولا يفوته هرب، وإنا وإياك لعلى بساط ملكٍ واحد، وإن» النجف «من ذى قدرة لقريب.
رد المظالم
زاع عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه من دفن سليمان بن عبدالملك الخليفة الذي كان قبله، وانتهى من الخطبة التي افتتح بها حكمه بعد ان بايعه الناس، ينزل عن المنبر ويتجه الى بيته، ويأوى الى حجرته يبتغي ان يصيب ساعة من الراحة بعد هذا الجهد، وذلك العناء اللذين كان فيهما منذ وفاة الخليفة سليمان بن عبدالملك.
وما كاد يسلم جنبه الى مضجعه حتى يقبل عليه ولده عبدالملك - وكان يومئذ يتجه نحو السابعة عشرة من عمره - ويقول له: ماذا تريد ان تصنع يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا بني، أريد أن أغفو قليلاً، فلم تبق في جسدي طاقة، فقال: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: أي بني، إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس، ورددت المظالم الى أهلها إن شاء الله، فقال: ومن لك يا أمير المؤمنين بأن تعيش إلى الظهر؟ فألهبت هذه الكلمة عزيمة عمر، وأطارت النوم من عينيه وبعثت القوة العزم في جسده المتعب، وقال: ادن مني أي بنى، فدنا منه، فضمه إليه، وقبل ما يبن عينيه، وقال: الحمدلله الذي أخرج من صلبي، من يعينني على ديني، ثم قام، وأمر أن ينادي في الناس: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها.
بكيت على هول الصراط وذكره وهول زفير النار من أعظم الذكر
وكيف يطيق الصبر من كان عاصيا لخالق كل الخلق في السر والجهر
ومن يك ذا خوفٍ شديد لهوله فإن له أمنا من الهول في الحشر
فليس لمن يبكى لهول صراطه جزاء سوى دار النعيم مع الفخر
فيا له من هولٍ فظيع يجوزه رجال أطاعوا الله في سالف العمر
عباد الله، تفكروا في هول الصراط الرقيق البعيد، وأشفقوا من الهول العظيم الشديد، وأطيعوا الجبار الولى الحميد.
فضول الكلام
حدث محمد بن سُوقة جماعة من زواره فقال لهم: ألا أسمعكم حديث لعله ينفعكم كما نفعني؟ قالوا: بلى. قال: نصحني عطاء بن أبي رباح ذات يوم، فقال: يا بن أخي، إن الذين من قبلنا كانوا يكرهون فضول الكلام.
فقلت: وما فضول الكلام عندهم؟ فقال: كانوا يعدون كل كلام فضولاً ما عدا كتاب الله عز وجل أن يقرأ ويفهم، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يروي ويدري، أو أمراً بمعروف ونهيا عن منكر، أو علماً يتقرب به إلى الله تعالى، أو أن تتكلم بحاجتك ومعيشتك التي لا بد لك منها.
ثم حدق إلى وجهي وقال: أتنكرون: (وإن عليكم لحافظين (10) كراماً كاتبين (11)) (الانفطار)، وأن مع كل منكم ملكين: (عن اليمين وعن الشمال قعيد (17) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18) (ق)، ثم قال: أما يستحي أحدنا لو نشرت عليه صحيفته التي أملاها صدر نهاره؛ فوجد أكثر ما فيها ليس من أمر دينه، ولا أمر دنياه.