تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 03 - 2007, 03:14 م]ـ

بعض مسائل هذا العلم مذكورة باستفاضة في العلوم الأخرى فلا نطيل بذكرها؛

كمسألة اشتقاق (الاسم)؛ فهو من السُّمُو عند البصريين ومن السِّمَة عند الكوفيين.

وكذلك مسألة اشتقاق المصدر من الفعل عند الكوفيين، أو الفعل من المصدر عند البصريين.

وكذلك مسألة اشتقاق اسم (الله)، ناقشها كثير من الشراح عند كلامهم على البسملة.

قال أبو بكر بن دريد في < الاشتقاق >:

((فأما اشتقاق اسم الله عز وجل فقد أقَدَم قومٌ على تفسيره، ولا أحبُّ أن أقول فيه شيئًا))

وقال أبو بكر الصولي في < أدب الكتاب >:

((و (الله) - تبارك اسمه - اسم خاص للمعبود جل وعلا، لا يسمى به سواه. قال الله تعالى: {هل تعلم له سميًّا}. قال المفسرون: لا يعلم من تسمى الله إلا الله عز وجل، ولا يعرف لهذا الاسم اشتقاق من فعل. ولا أحب ذكر ما قاله النحويون فيه لأنه تكلف لا يضر تركه))

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 03 - 2007, 03:14 م]ـ

قال ابن فارس في كتابه في فقه اللغة المسمى بـ (الصاحبي) [ونقله السيوطي في المزهر]:

((أجمع أهل اللغة إلا من شذ عنهم أن للغة العرب قياسًا وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض، وأن اسم الجن مشتق من الاجتنان، وأن الجيم والنون تدلان أبدا على الستر؛ تقول العرب للدرع: جُنة، وأجنَّه الليل، وهذا جنين أي هو في بطن أمه أو مقبور. وأن الإنس من الظهور؛ يقولون: أنست الشيء أبصرته، وعلى هذا سائر كلام العرب، علم ذلك من علم وجهله من جهل ... وليس لنا اليوم أن نخترع، ولا أن نقول غير ما قالوه، ولا أن نقيس قياسًا لم يقيسوه؛ لأن في ذلك فساد اللغة وبُطلانَ حقائقها)).

وقال ابن فارس أيضا في مقدمة معجمه الفذ (مقاييس اللغة):

((إن للغة العرب مقاييسَ صحيحة، وأصولا تتفرع منها فروع، وقد ألف الناس في جوامع اللغة ما ألفوا، ولم يعربوا في شيء من ذلك عن مقياس من تلك المقاييس، ولا أصل من الأصول، والذي أومأنا إليه باب من العلم جليل، وله خطر عظيم)).

(تنبيه)

قد يَستشكِلُ بعضُ الإخوة - مع ما تقدم من تقرير ثبوت المقاييس في اللغة - اتفاقَ أكثر أهل اللغة والنحو على أن اللغة لا تثبت قياسا، وهذا منصوص عليه عندهم، ويشبه الإجماع عندهم.

وهذا لا إشكال فيه بحمد الله تعالى؛ لأن المقصود مما تقدم بالقياس إنما هو إظهار العلاقة بين الألفاظ الثابتة عن العرب، وضم النظير إلى نظيره ومؤالفة الشبيه إلى شبيهه، وأما منع القياس في اللغة فالمقصود به إنشاء كلمات أو إطلاقات جديدة لم ترد سماعا عن العرب، ومثال ذلك أننا نعرف بدلالة الاشتقاق أن القارورة سميت بذلك لأن الماء يستقر فيها، ومع ذلك لا يصح أن نسمي البيت قارورة لأن الناس يستقرون فيه.

وقد حُكِيَ عن الزجاج كلامه في الاشتقاق، وهذه مناظرة بينه وبين يحيى بن علي المنجم:

المنجم: من أي شيء اشتق الجرجير؟

الزجاج: لأن الريح تجرجره

المنجم: وما معنى تجرجره؟

الزجاج: تجرره ومن هذا قيل للحبل الجَرير؛ لأنه يجر على الأرض

المنجم: والجرة لم سميت جرة

الزجاج: لأنها تجر على الأرض

المنجم: لو جرت على الأرض لانكسرت!! والمجرة لم سميت مجرة

الزجاج: لأن الله جرها في السماء جرا

المنجم: فالجرجور الذي هو اسم المائة من الإبل لم سميت به؟

الزجاج: لأنها تجر بالأزِمَّة وتقاد

المنجم: فالفصيل المجر الذي شق طرف لسانه لئلا يرضع أمه، ما قولك فيه

الزجاج: لأنهم جروا لسانه حتى قطعوه

المنجم: فإن جروا أذنه فقطعوها تسميه مجرا

الزجاج: لا يجوز ذلك

المنجم: قد نقضت العلة التي أتيت بها على نفسك ومن لم يدر أن هذا مناقضة فلا حس له.

قلت: هذا الكلام لا يلزم الزجاج ولا نقض فيه؛ لأنه إنما اعتل لكلام العرب، وأظهر ما ترجح لديه من أسباب الاشتقاق، ولم يزعم أنه بذلك يجوز اشتقاق ألفاظ جديدة بناء على العلة؛ لأنها ليست علة بالمعنى الأصولي، بل قد تكون حكمة، وقد تكون جزءَ علة، وقد تكون معارضة في ألفاظ أخرى بعلل أخرى أقوى منها، فالخلاصة أن كلام المنجم لا يلزم أهل العلم ولم يدعِ الزجاج أصلا ذلك كما يتضح من آخر كلامه، والله تعالى أعلم.

ولهذا تجد ابن فارس في مقاييسه كثيرا ما يقول: ولا أدري ما اشتقاقه.

أو يقول: هذا مما وضع وضعا ولم يُعرف له اشتقاق.

ويقول أيضا:

((والأصل في هذه الأبواب أنَّ كلَّ ما لم يصحَّ وجهُه من الاشتقاق الذي نذكره فمنظورٌ فيه، إلاّ ما رواه الأكابر الثقات)).

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 03 - 2007, 03:14 م]ـ

وهذا كلام نفيس للإمام الجليل (الخليل بن أحمد) عن علل النحو، ولكنه ينطبق أيضا على علم الاشتقاق؛ ذكره أبو القاسم الزجاجي في (إيضاح علل النحو) قال:

(( ... وذكر بعض شيوخنا أن الخليل بن أحمد رحمه الله سئل عن العلل التي يعتل بها في النحو، فقيل له: عن العرب أخذتَها أم اخترعتها من نفسك؟ فقال:

إنَّ العربَ نطقت على سجيتها وطباعها، وعرَفتْ مواقعَ كلامها، وقام في عقولِها عِلَلُه، وإن لم ينقل ذلك عنها، واعتللتُ أنا بما عندي أنَّهُ عِلةٌ لما عللته منه، فإن أكن أصبتُ العلةَ فهو الذي التمستُ، وإن تكن هناك علةٌ غيرُ ما ذكرتُ فالذي ذكرتُه محتمل أن يكون علة، ومَثَلِي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارًا محكمةَ البناءِ عجيبةَ النظمِ والأقسام، وقد صحت عنده حكمةُ بانيها بالخبر الصادق أو بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة، فكلما وقفَ هذا الرجل في الدار على شيء منها قال: إنما فعل هذا هكذا لعلةِ كذا وكذا، ولسبب كذا وكذا، لِعِلَّةٍ سنحت له وخطرت بباله محتملة أن تكون علة لتلك، فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة، إلا أن ما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك، فإن سنحَتْ لغيري علةٌ لما علَّلْتُه من النحو هي أليقُ مما ذكرتُه بالمعلول فليأتِ بها)).

قال الزجاجي معلقا:

((وهذا كلام مستقيم وإنصاف من الخليل رحمة الله عليه)).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير