تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بعد أن شرح سيبويه ما يعنيه بالحرف الذي يضارع به حرف من موضعه انتقل إلى الحديث عن الشق الآخر من هذا الباب وهو الحرف الذي يضارع به ذلك الحرف وليس من موضعه، أي ليس من مخرج الصاد والسين والزاي، وهو الشين لأن مخرج الشين طرف اللسان مع ما فوقه من الحنك الأعلى في حين أن مخرج أصوات الصفير (الصاد ـ السين ـ الزاي) من طرف اللسان، وأطراف الثنايا السفلى (12) ولما كانت الدال في كلمة "أشدق" مجهورة تأثرت بها الشين التي هي في ـ نظر سيبويه ـ في الهمس والرخاوة كالصاد والسين، فصارت الشين مجهورة فضارعوها بالزاي: "وأما الحرف الذي ليس من موضعه فالشين لأنها استطالت حتى خالطت أعلى الثنيتين وهي في الهمس والرخاوة كالصاد والسين وإذا أجريت فيها الصوت وجدت ذلك بين طرف لسانك وانفراج أعلى الثنيتين، وذلك قولك أشدق، فتضارع بها الزاي" (13). في المثال الذي أورده سيبويه (أشدق) تماثلت الشين مع الدال التالية لها في الجهر، فصارت النظير المجهور للشين، وفي الحقيقة إنه يتحدث عن صورة صوتية واحدة، وهي تلك الشين التي كالجيم، وقد وصفها ابن جني بقوله: "وأما الشين التي كالجيم، فهي التي يقل تفشيها، واستطالتها، وتتراجع قليلاً متصعدة نحو الجيم" (14) وهذا النوع من المماثلة في الدرس الصوتي الحديث يسمى بالتماثل المدبر الجزئي في حالة الاتصال (15).

* الإبدال أو القلب:

يطلق سيبويه على المماثلة الإبدال، وهو عنده لون من التقريب بين الأصوات ليتم التجانس والتماثل، من ذلك إبدال الصاد زاياً خالصة في نحو التصدير، والفصد، وأصدرت، فقالوا فيها: التزدير والفزد وازْدَرْت (16) وقد علل ذلك قائلاً: "وإنما دعاهم إلى أن يقربوها ويبدلوها أن يكون عملهم من وجه واحد، وليستعملوا ألسنتهم في ضرب واحد" (17) والذي يقصده سيبويه بأن يكون عملهم من وجه واحد: إبدال الصاد زاياً لأنها أختها في مجموعة الأصوات الصفيريّة، والفرق بينهما أن الصاد مهموسة والزاي مجهورة أبدلت زاياً، لتناسب أو تماثل الدال في الجهر.

ومن السياقات اللغوية التي وظف فيها مصطلح القلب للدلالة على المماثلة قلب السين صاداً، إذا كانت مسبوقة بصوت مستعلٍ في مثل صِقت وصبقت: "أبدلوا من موضع السين أشبه الحرف بالقاف ليكون العمل من وجه واحد، وهي الصاد، لأن الصاد تصعد إلى الحنك الأعلى للإطباق فشبهوا هذا بإبدالهم الطاء في مصطبر والدال في مزدجر" (18) فالصاد من حروف الإطباق، وهي حرف مستعل لأن اللسان معها يلتصق بالطبق فينتُجْ عن ذل تفخيماً، ومما توصف به حروف الإطباق أنها فخمة، أما قوله "ليكون العمل من وجه واحد"، أي ليكون قبل القاف حرف مستعل فجيء بحرف مستعل يضارع استعلاء القاف وهو الصاد بهدف تحقيق التجانس والانسجام لأنه من الصعب الانتقال من الاستفال إلى الاستعلاء.

* الإدغام:

من الألقاب التي خص بها سيبويه أيضاً ما يعرف في الدرس الصوتي الحديث "بالمماثلة الكاملة": الإدغام، ولتعدد أوجه هذه الظاهرة نجد سيبويه خصص تحت باب "الإدغام" الرئيسي أبواباً فرعية لدراسة مواضيعه المختلفة، فقد عالج في الباب الأول إدغام الحرفين المثلين أسماه: "هذا باب الإدغام في الحرفين المثلين اللذين تضع لسانك لهما موضعاً واحداً لا يزول عنه" (19) وفي الباب الثاني عالج إدغام الحرفين المتقاربين أطلق عليه اسم: "هذا باب الإدغام في الحروف المتقاربة التي هي من مخرج واحد" (20).

أما الباب الثالث فقد أسماه "هذا باب الإدغام في حروف طرف اللسان والثنايا" (21).

* الإمالة

الإمالة (22) ظاهرة صوتية تهدف إلى نوع من المماثلة بين الحركات، وتقريب بعضها من بعض، وهي وسيلة من وسائل تيسير النطق، وبذل اقل مجهود عضلي، إذ الغرض منها في الأعم الأغلب تحقيق الانسجام الصوتي، الذي يعد ضرباً من المماثلة، وقد صرح بذلك ابن يعيش: "هو تقريب الأصوات بعضها من بعض لضرب من التشاكل" (23) كما ذكر ابن الجزري أن الفائدة منها هي: "سهولة اللفظ، وذلك أن اللسان يرتفع بالفتح، وينحدر بالإمالة، والانحدار أخف على اللسان من الارتفاع" (24).

وقد نبه إلى هذا النوع الحاصل بين الصوائت العديد من النحاة، والقراء القدامى، ونجد دلالة هذا المصطلح عن سيبويه الذي نسبه إلى الخليج: "فزعم الخليل أن إجناح الألف أخف عليهم، يعني الإمالة" (25).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير