تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما يستعمل سيبويه مصطلح الإتباع في صيغة الفعل في سياق حديثه عن كسر ضمير المخاطبين يقول: "وقال ناس من بكر بن وائل: من أحلامِكِمْ، وبِكِمْ، شبهها بالهاء لأنها علم إضمار، وقد وقعت بعد الكسرة، فاتبع الكسرة الكسرة، حين كان حرف إضمار وكان أخف عليه أن يضم بعد أن يكسر وهي رديئة جداً" (36). رغم أنه يصف هذه اللهجة التي نسبها إلى بكر بن وائل بالرديئة جداً فإنّه يعلل هذا الإتباع بأنه أخف على اللسان من الانتقال من كسرة إلى ضمة حين قال: "أتبع الكسرة كسرة" فنص صراحة على أن هذه اللهجة لونٌ من ألوان الإتباع أو الانسجام الحركي يهدف إلى التقليل من الجهد العضلي، وذلك بجعل الحركتين متماثلتين تماثلاً تقدمياً، وتسمى هذه الظاهرة باسم "الوَكْم": "ومن ذلك الوَكْم في لغة ربيعة وهم قوم من كلب يقولون عَلَيْكِم وبِكِم، حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة" (37). ومن معاني الوَكْم الرد الشديد يقول ابن منظور: "وكم الرجلَ وكْمَاً: رده عن حاجته أشد الرد" (38). ولعل التسمية جاءت من هذا المعنى لأن أصحاب هذه اللهجة يردون الضم إلى الكسر.

ومن صور الإتباع عند سيبويه ما ذكره عن كسر ضمير الغائب المفرد لما قبله من كسرة أو ياء يقول: "اعلم أن أصلها الضم وبعدها الواو، لأنها في الكلام كله هكذا، إلا أن تدركها هذه العلة التي أذكرها لك، وليس يمنعهم ما أذكر لك أيضاً من أن يخرجوها على الأصل فالهاء تكسر إذا كان قبلها ياء لأنها خفية، كما أن الياء خفية، وهي من حروف الزيادة، كما أن الياء من حروف الزيادة، وهي من موضع الألف، وهي أشبه الحروف بالياء، فكما أمالوا الألف في مواضع استخفافاً كذلك كسروا هذه الهاء، وقلبوا الواو ياء، لأنه لا تثبت واو ساكنة وقبلها كسرة، فالكسرة ههنا كالإمالة في الألف لكسرة ما قبلها وما بعدها نحو: كلاب وعابد وذلك قولك: مررت بهي قبل، ولديهي مال، ومررت بدارهي قبل، وأهل الحجاز يقولون: مررت بهو قبل، ولديهو مال، ويقرءون: "فخسفنا بهو وبدارهو الأرض" (39)." (40).

يعتبر سيبويه أن الأصل في ضمير الغائب أن تعقبه ضمة طويلة وهو يتحدث دائماً عن الواو في هذا الصدد كما لو كان الضمير مكوناً من هاء تليها واو، وحدد المواضع التي كسرت فيها هذه الهاء وذلك إذا كان قبلها ياء أو كسرة، فهذا تأثير مقبل.

ومن مظاهر الإتباع عنده ما ذكره عن كسر الفاء لكسر العين يقول: "وفي فعيل لغتان فَعِيل وفِعِيل إذا كان الثاني من الحروف الستة (41) مطردٌ ذلك فيهما لا ينكسر في فَعِيل ولا فَعِل، إذا كان كذلك كسرت الفاء في لغة تميم، وذلك قولك: لئِيم وشِهيد، وسِعيد، ونِحيف، ورِغيف… وإنما كان هذا في هذه الحروف، لأن هذه الحروف قد فعلت في يَفْعَل ما ذكرتُ لك، حيث كانت لاماتٍ، من فتح العين، ولم تُفْتَح هي أنفسُها هنا لأنه ليس في الكلام فَعَيْل، وكراهية أن يلتبس فَعِل بفَعَل فيخرج من هذه الحروف فِعَل، فلزمها الكسر هنا وكان أقرب الأشياء إلى الفتح وكانت من الحروف التي تقع الفتحة قبلها لما ذكرت لك" (42).

يشير سيبويه في هذا النص إلى الانسجام الصوتي وسيلة من وسائل تيسير النطق، وذلك عندما ذهب إلى بعض العرب (43) تكسر فاء الفعل لكسره عينه في فعيل، وهو تأثر رجعي، وإنما دعاهم إلى ذلك دفعاً لمشقة الانتقال من فتح إلى كسر، أو من علو إلى انحدار لأن أصوات الحلق هي أقصى الحروف مخرجاً، وأبعدها في جهاز التصويت، والانتقال بالفتح في حروف من حروف الفم، أو الشفتين إلى الكسر في حرف من حروف الحلق مبعث صعوبة غير يسيرة، فتبعت حركة الفاء حركة العين توخياً للاقتصاد في الجهد العضلي، تحقيقاً للانسجام الصوتي، وهو ما عبر عنه: "فكسرت ما قبلها حيث لزمها الكسر وكان ذلك أخف عليهم حيث كانت الكسرة تشبه الألف، فأرادوا أن يكون العمل من وجه واحد" (44).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير