تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

توكلنا .. وإليه المرجع والمتاب ..

وسبحان من انفرد بالقهر والاستيلاء ..

واستأثر باستحقاق البقاء ..

وأذل أصناف الخلق بما كتب عليهم من الفناء ..

وأشهد أن لا إله إلا الله ..

أما بعد ..

حدائق الموت؟

تلك القبور التي غيبت فيها أجساد تحت التراب .. تنتظر البعث والنشور وأن ينفخ في

الصور ..

اجتمع أهلها تحت الثرى .. ولا يعلم بحالهم إلا الذي يعلم السر وأخفى ..

نعم ..

إنه الموت ..

أعظم تحدٍّ تحدى الله به الناس أجمعين ..

الملوك والأمراء .. والحُجّاب والوزراء .. والشرفاء والوضعاء .. والأغنياء والفقراء

..

كلهم عجزوا أن يثبتوا أمام هذا التحدي الإلهي {قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت

إن كنتم صادقين}

أين الجنود؟ أين الملك؟ أين الجاه؟

أين الأكاسرة؟ أين القياصرة؟

أين الزعماء؟

أتى على الكل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

وصار ما كان من مُلكٍ ومن مَلِكٍ كما حكى عن خيال الطيف وسنان

مرض أبو بكرة رضي الله عنه واشتد مرضه .. فعرض عليه أبناؤه أن يأتوه بطبيب .. فأبى ..

فلما نزل به الموت صرخ بأبنائه وقال: أين طبيبكم؟ .. ليرّدها إن كان صادقاً ..

ووالله لو جاءه أطباء الدنيا .. ما ردوا روحه إليه ..

{فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن

لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين * فأما إن كان من

المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من

أصحاب اليمين * وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم * إن

هذا لهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم} ..

إنه الموت ..

هادم اللذات .. ومفرق الجماعات .. وميتم البنين والبنات ..

المنايا تَجُوسُ كلّ البِلادِ والمنايَا تَبيدُ كلّ العِبَادِ

لَتَنالَنّ من قُرونٍ أراها مثلَ ما نِلْنَ من ثَمُودٍ وعادِ

هل تذكّرْتَ من خلا من بني الأصْـ ـفَرِ أهْلِ القِبابِ والأطْوادِ

هلْ تذكّرْتَ من خَلا من بني سَا سانَ أرْبابِ فارِسٍ والسّوَادِ

أينَ داوُدُ أينَ؟ أينَ سُلَيْمَا نُ المنيعُ الأعراضِ والأجنادِ؟!

أينَ نُمرُودُ وابْنُهُ أينَ قارُو نُ وهامانُ أينَ ذو الأوتادِ

وَرَدوا كلهم حِياضَ المنايَا ثمّ لم يَصْدِروا عَنِ الإيرادِ

أتَنَاسَيْتَ أمْ نَسيتَ المنايَا؟ أنَسيتَ الفِراقَ للأوْلادِ؟

أنَسيتَ القُبُورَ إذْ أنتَ فيها بَينَ ذُلٍّ وَوَحشَةٍ وانفِرادِ

أي يَوْمٍ يَومُ الممات وإذْ أنْـ ـتَ تُنادى فَما تُجيبُ المنادي

أيّ يَوْمٍ يوم الفِراقِ وإذْ نَفْسُكَ تَرْقَى عَنِ الحَشا والفُؤادِ

أيّ يَوْمٍ يَوْمُ الفراقِ وإذْ أنْـ ـتَ من النّزْعِ في أشَدّ الجِهادِ

أيّ يَوْمٍ يَوْمُ الصّراخِ وإذْ يَلْطِمن حُرّ الوّجُوهِ والأجيَادِ

باكِياتٍ عَلَيكَ يَندُبنَ شَجواً خافِقاتِ القُلُوبِ والأكْبادِ

يَتَجاوَبْنَ بالرّنينِ ويَذْرِفْـ ـنَ دُمُوعاً تَفيضُ فَيضَ المَزادِ

أيّ يَوْمٍ يوْمُ الوُقوفِ إلى الله ويَوْمُ الحِسابِ والإشْهادِ

أيّ يَوْمٍ يوم المَرور عَلى النّا رِ وأهْوَالِها العِظامِ الشّدادِ

أيّ يَوْمٍ يَوْمُ الخَلاصِ من النّا رِ وهَوْلِ العَذابِ والأصْفادِ

كم وكم في القُبُورِمن أهلِ ملكٍ كمْ وكمْ في القُبورِمن قُوّادِ

كمْ وكم في القُبورِمن أهلِ دُنْيا كمْ وكم في القُبورِ من زُهّادِ

وَرَدوا كلهم حِياضَ المنايَا ثمّ لم يَصْدِروا عَنِ الإيرادِ

* * * * * * * * * *

ومن تأمل في الموت علم أنه أمر كبّار .. وكأس تدار .. على من أقام أو سار .. يخرج

به العباد من الدنيا إلى جنة أو نار ..

ولو لم يكن في الموت إلا الإعدام .. وانحلال الأجسام .. ونسيان أجمل الليالي

والأيام ..

لكان والله لأهل اللذات مكدراً .. ولأصحاب النعيم مغيراً ..

* * * * * * * * * *

وليست المشكلة في الموت .. فالموت باب وكل الناس داخله ..

لكن المشكلة الكبرى .. والداهية العظمى ..

ما الذي يكون بعد الموت ..

أفي {جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر} ..

أم في {ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسَّ سقر} ..

* * * * * * * * * *

ولأجل ذلك .. فالصالحون يشتاقون إلى لقاء ربهم .. ويعدون الموت جسراً يعبرون عليه

إلى الآخرة ..

نعم .. يفرحون بالموت ما دام يقربهم إلى ربهم ..

ذكر بعض المؤرخين ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير