وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي ? أن لكل من لفظ الكتاب ولفظ القرآن في المصحف دلالة ومعنى قائما لا يقوم به الآخر لو أبدل به إذ سينخرم السياق ويختلف المعنى اختلافا ينتفي معه الوصف بتفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي ? كما بينت في مقدمة التفسير.
ومنه باختصار ما يلي:
إن الكتاب والقرآن في كلامنا لفظان مترادفان لدلالة كل منهما على ما بين دفتي المصحف، وهو الكتاب أي المكتوب، وهو القرآن أي المقروء، ولإثبات قصور هذا الإطلاق في كلامنا فإن من تفصيل الكتاب أن قد وردت للفظ الكتاب في المصحف عشرة معان بل أكثر سأذكر منها في هذا المقام تسعا:
أولاها: بمعنى المكتوب كما في قوله ? ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ? البقرة 235
وثانيها: بمعنى الفريضة على المكلفين كما في قوله ? إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ? النساء 103 أي فريضة فرضت عليهم في أوقات معلومة
وثالثها: اللوح المحفوظ كما في قوله ? ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ? الحديد 22
ورابعها: الصحف التي سيؤتاها يوم يقوم الحساب صاحب اليمين بيمينه وصاحب الشمال بشماله وأشقى منه وراء ظهره كما في قوله ? فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ? الانشقاق 7ـ8
وخامسها: بمعنى الظرف المكاني الذي تنتقل إليه الأرواح بعد الموت إلى يوم البعث كما في قوله ? كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون ? التطفيف 18 ـ21، وكما في قوله ? كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ? التطفيف 7 ـ9
وسادسها: كتاب كل أمة يوم القيامة كما في قوله ? وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ? الجاثية 28 ـ 29
وسابعها: الكتاب الذي أوتيه جميع النبيين والرسل قبل التوراة كما في قوله ? كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ? البقرة 213 وكما في قوله ? لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ? الحديد 25
وثامنها وقوع لفظ الكتاب على التوراة أو الإنجيل أو هما معا كما في قوله:
• ? وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ? الإسراء 4
• ? فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك ? يونس 94
• ? أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين ? الأنعام 156
• ? وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ? المائدة 110
• ? ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ? عمران 48
وكذلك حيث اقترن لفظ الكتاب بموسى سوى حرف الفرقان وحيث ورد لفظ أهل الكتاب والذين أوتوا الكتاب.
ولن يصح إبدال لفظ الكتاب في الأحرف المذكورة وشبهها بلفظ القرآن لأن للقرآن دلالة أخرى لا يصح إيرادها في غيرها كما يأتي تحقيقه.
وتاسعها الكتاب المنزل على خاتم النبيين ? كما في قوله ? نزّل عليك الكتاب بالحق ? عمران 2
إن الكتاب الذي أوتيه النبيون والرسل قبل التوراة لا اختلاف بينه وبين الكتاب الذي تضمنه كل من التوراة والإنجيل والقرآن، لأن التوراة قد حوت الكتاب وزادت عليه نبوة موسى، وحوى الإنجيل الكتاب وزاد عليه نبوة عيسى، وحوى القرآن الكتاب وزاد عليه نبوة خاتم النبيين ? ونبوة النبيين قبله كما في قوله ? وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ? المائدة 48.
وإنما علم الرسل والنبيون قبل التوراة الكتاب غيبا فكانوا يعلّمون أممهم منه بقدر استعدادهم للتلقي ثم أنزل الله الكتاب مع موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم وتعبد الناس بدراسته ودرايته.
إن الكتاب هو ما تضمن المصحف من الإيمان بالله رب العالمين، وما تضمن عن العالمين كخلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما، وتدبير أمر الخلق كله، وما حوى من النعم في الدنيا ومن وصف مخلوقاته وكذا المؤمنون والكفار والمشركون والمنافقون، وما حوى من التشريع أي الخطاب الفردي والجماعي، ومن التكليف لسائر العالمين، وما تضمن عن الحياة والموت والقدر كله والبعث والحساب والجزاء بالجنة أو النار.
¥