إن الله وصف القرآن بالقول الثقيل الملقى على النبي الأمي ? في سياق مخاطبته وتكليفه: أن يتجافى عن المضاجع يقوم الليل ليقرأ القرآن في صلاته قياما ثقيلا طويلا يمتدّ إلى أدنى من ثلثي الليل مرة وإلى نصف الليل مرة وإلى ثلثه مرة، قياما ينشئه بعد نوم ولتتمكن طائفة من الذين معه من تدبر القرآن والاهتداء به إلى الرشد وإلى التي هي أقوم.
هكذا صرف النبي الأمي ? الصحابة عن الانشغال بتعدد الأداء المنزل إلى الغاية القصوى التي لأجلها أنزل القرآن وهي تدبره الذي يهديهم إلى استنباط الأحرف أي المعاني السبعة التي أنزل عليها القرآن، وليقرأنّ بحرف منها على الأقل من قرأ ما تيسّر من القرآن.
وعلم الله علام الغيوب أن الأمة لن تحصي معاني القرآن كما في قوله تعالى ? علم أن لن تحصوه ? يعني القرآن علم الله علام الغيوب أن لن تحصي الأمة كلها من أولها إلى آخرها معانيه ودلالاته رغم تكليفها بتدبر القرآن فكان تقصيرهم ذنبا تاب الله على الأمة منه وكلفهم بقراءة ما تيسر منه القرآن وعذرهم الله بسبب قصورهم عن إحصاء معاني القرآن إذ علم أن سيكون منهم مرضى عاجزون عن قيام الليل والتفرغ لتلاوة القرآن وتدبره وأن سيكون منهم من يضربون في الأرض يبتغون من رزق الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله، وأنى للثلاثة أن يتمكنوا من قيام الليل قياما ثقيلا لتدبر القول الثقيل، ولكأن الأمة كلها عبر التاريخ لو امتثلت قيام الليل وتدبر القرآن لكانت أقرب إلى أن تحصي معانيه ودلالاته وتاب الله عليهم لأن منهم أصحاب الأعذار المعدودين في سورة المزمل.
إن في القرآن معاني وموعودات وغيبا آمن به جملة من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أي أرسله بالقرآن إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا.
ولن يحصي تلك المعاني تفصيلا إلا من هداه الله بالقرآن إليها، وحسب الناس قديما وحديثا عبر التاريخ الإسلامي أن النبي ? قد بيّن تلك المعاني كلها ويستشهدون بقوله تعالى ? وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون ? النحل 44
ولقد بيّن النبي الأمي رسول الله ? للناس ما نزّل إليهم وهو القرآن فكان كلما نزل عليه من القرآن قرأه عليهم وأمر بكتابته وأن يجعل في السورة كذا بعد الآية كذا ونهي أن يكتب عنه شيء غير القرآن لئلا يختلط بالقرآن، وتلا عليهم القرآن وسمعوه منه وأقرأهم إياه فذلك ما كلّف به النبي الأمي ?، وكلفت الأمة كلها بعد ذلك بالتفكر في القرآن كما هي دلالة قوله ? ولعلهم يتفكرون ? النحل 44، وكلفوا بتدبر القرآن العظيم.
ومن زعم أن خاتم التبيين ? قد بيّن القرآن أي فسّره كله فليأتنا على سبيل المثال لا الحصر بما بيّن به النبي ? الفواتح وهي مما نزّل إلى الناس من القرآن ومما كلفوا أن يتدبروه.
إن القرآن العظيم ليعظم أمام كل باحث قرأ القرآن وتدبره وتدارسه، أي لا يستطيع أحد من الأمة كلها أن يفرغ من استيعاب معانيه ودلالاته وما يهدي إليه من الرشد والتي هي أقوم.
وهيهات أن تستكمل الأمة كلها معانيه ودلالاته وهو القول الثقيل المنزل على قلب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ولهو إذن قول أثقل على الأمة جميعها إذ لم ينزل على قلب أحد منها بل هو كما في قوله ? بل هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم ? العنكبوت 49 أي أنه تجاوز آذانهم وأسماعهم ودخل في صدور الذين أوتوا العلم وهم الصحابة الأبرار الأخيار ولكن لم يبلغوا درجة علم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ولا يختلف منصف أن الصحابة الأبرار الأخيار كأبي بكر وعمر وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين أوتوا العلم كما هي دلالة قوله ? ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا ? القتال 16 يعني أن المنافقين الذين كانوا يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن لم يفقهوا منه هدى ولا رشدا يسألون الذين أوتوا العلم بالتجهيل وهم الصحابة الكرام عن معاني ودلالات القرآن.
إنني شديد العجب من الذين يشتغلون بحفظ المتون وتدارسها وهم لم ولن يفرغوا من تدارس القرآن ولم يفقهوا بعد أن الله دعا إلى المسارعة إلى الخيرات مسابقة معلنة في القرآن أن الله سيؤتى من يسبق في هذه المسابقة مغفرة منه وفضلا وهو واسع عليم.
الرواية الرابعة للحديث
¥