تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واشترطت لقبول القراءة شروط تشدها إلى المصحف المدون، فالقراءة يجب أن تكون موافقة للمصحف وأساسا موافقة للرسم العثماني المرجعي، ويجب أن تكون القراءة موافقة لقواعد اللغة العربية. وهكذا ظلت القراءة تشترط نصا قرآنيا مرجعيا يتّبع ولكنها أيضا لم تتخلّ عن الإبلاغ الشفوي للأصل المنقول سماعا من النبي، حتى أننا في كثير من الأحيان نعثر في بعض المصادر على إشارة إلى قراءة موسومة بقراءة النبي وهي مخالفة للمصحف العثماني، أو نجد من القراء من يفترض قراءة افتراضية ولكن لم يقرأ بها فيستحسنها ويجيزها ولكن يتحفظ منها بالجواز دون التحقق ما دامت قراءة لم يقرأ بها القراء رغم جوازها، وهو ما نجده مثلا عند النحويين من الذين خاضوا في علوم القرآن مثل الفراء في كتابه معاني القرآن.

و

من ذلك ما أورده ابن مجاهد: " أخبرنا الأصمعي قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قرىء به لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا". اهـ (المصدر السابق، ص3).

تعددت القراءات حينئذ في إطار ثنائية المصحف مدونا والأصل مأثورا منقولا، وقد كان لابن مجاهد دور أساسي في تكريس نظام السبعة في القراءات، فاختار من القراء سبعا هم من يؤتم بهم في القراءة" فالقراءة التي عليها الناس بالمدينة وبمكة والكوفة ومصر والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقيا وقام بها في كل مصر من الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين أجمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيها طريقه وتمسكوا بمذهبه".اهـ (المصدر السابق: 3).

وارتبطت هذه الطبقة المنتقاة من القراء بشبكة من الرواة ممن أخذوا عنهم فكان لهم دور في نشر قراءتهم في كل مصر من أمصار دار الإسلام.

إن الناظر إلى ما آل إليه أمر القراءات في العصر الحالي في ظل استقرار أمر الرسم وقواعده وانتشار المصاحف المطبوعة يدرك أن الأمر آل إلى قراءتين أساسيتين كانت لهما الغلبة دون بقية القراءات وهما قراءتا نافع وعاصم أي قراءة مدنية وقراءة كوفية. بدأت علامات هذا الاستقرار باكرا وفق عقلية الانتقاء والتفضيل والاختيار، فاختيار أحمد بن حنبل مثلا يتصل بقراءة المدينة التي يمثلها نافع، وفي مرتبة ثانية بالقراءة العراقية الكوفية التي يمثلها عاصم، فأحب القراءات إليه "قراءة أهل المدينة فإن لم يكن فقراءة عاصم." كما أن المهتمين بالقراءات يشيرون إلى أن قراءة" هذين الإمامين (نافع وعاصم) ... أوثق القراءات وأصحهما وأفصحهما في العربية".اهـ (نقلا عن كتاب تاريخ القرآن، ج3، ص608).

تاريخيا رجحت كفة هاتين القراءتين وانقسم العالم الإسلامي بينهما مغربا ومشرقا، فقراءة أهل المشرق هي رواية أبي بكر عاصم بن أبي النجود أما أهل المغرب فيأتمون بقراءة نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي، وفي داخل كل قراءة اضطلع راو عن الإمامين بنشر روايته في منطقته فأبو محمد غازي بن قيس أحد رواة نافع نقل القراءة إلى الأندلس أما ورش الراوي الثاني لنافع فقد نقل معه القراءة التي تعلمها إلى مصر ومن ثم انتقلت إلى المغرب الإسلامي مع رواية قالون.

أما الراويين الرئيسيان لعاصم فكانا أبو بكر شعبة (193هـ) وحفص (ت 180 هـ)، وداخل قراءة عاصم انتشرت قراءة حفص دون قراءة شعبة، ومن ثم سادت هذه القراءة في جزء شاسع من العالم الإسلامي وأزاحت قراءات أخرى، لذلك اتخذنا من حلقة قراءة حفص عن عاصم مستندا للبحث في المصحف وقراءاته لرصد مختلف القراءات التي قد تتفق مع قراءته أو تختلف بحثا في متن النص ذاته عن الائتلاف والاختلاف وعن مبررات اختيار قراءة حفص دون غيرها من القراءات، خاصة مع انتشار المصاحف المطبوعة في المملكة العربية السعودية والتي "تكتب وتضبط على ما يوافق رواية حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي لقراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي التابعي عن أبي عبد الرحمان عبد الله بن حببيب السلمي عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبي بن كعب عن النبي. " وهي المصاحف التي غزت حتى المغرب الإسلامي الذي يقرأ بحسب نافع.

فما الذي دفع إلى نشر قراءة حفص في العالم الإسلامي؟

وهل أن رواية حفص وفق مبدأ الاختيار هي أقرب القراءات إلى المقاييس المعتمدة في انتقاء القراءة؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير