تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولماذا انتصرت على غيرها من القراءات التي خرجت من رحم المصحف العثماني إذا نظرنا إلى ما آل إليه أمرها في العصر الحالي.

إذ أن الباحث في تاريخ القراءات يدرك أن قراءة حفص الراوي الثاني لعاصم لم تكن هي الغالبة على العالم الإسلامي، فإذا نظرنا إلى قراءة عاصم التي رواها حفص نرى أنها لم تكن سائدة حتى في الكوفة موطنها فـ" إلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة وليست بالغالبة عليهم ".اهـ (ابن مجاهد، السبعة في القراءات، ص14).

وهذه القراءة التي رواها حفص لم تكن معتمدة في المساجد في حلقات الذكر أو الصلاة:" حدثني علي بن الحسن الطيالسي قال سمعت محمد بن الهيثم المقرئ يقول أدركت الكوفة ومسجدها الغالب عليه قراءة حمزة ولا أعلمني أدركت حلقة من حلقات المسجد الجامع يقرؤون قراءة عاصم".اهـ (المصدر السابق، ص16).

أما إذا انتقلنا إلى الحلقة الثانية في شبكة قراءة عاصم إلى رواية حفص فإننا لا نجد ذكرا لقراءة حفص في مقابل حضور الراوي الثاني لعاصم أبي بكر شعبة، فحتى الذين أخذوا قراءة عاصم التزموا رواية هذا الأخير، فطريق شعبة عن عاصم كان مقدما عند المتقدمين "فإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة وليست بالغالبة عليهم لأن أضبط من أخذ عن عاصم أبو بكر بن عياش فيما قال لأنه تعلمها منه تعلما خمسا خمسا وكان أهل الكوفة لا يأتمون في قراءة عاصم بأحد ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش وكان أبو بكر لا يكاد يمكن من نفسه من أرادها منه فقلت بالكوفة من أجل ذلك وعز من يحسنها وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات ".اهـ (المصدر السابق، ص 14).

كانت رواية حفص عن عاصم إذن آنذاك أقل القراءات حظا، فأهل الكوفة لما عزت عندهم رواية أبي بكر شعبة لم يلتفتوا إلى رواية حفص بل مالوا إلى قراءة حمزة والكسائي رغم كرههم لها.

أمّا إذا نظرنا في الطريق الذي روى منه المفسرون القرآن واعتمدوه في نقل القراءات فأننا نلاحظ أنّ طريق حفص لم يكن مقدما عندهم، فالمتأمل في تفسير الطبري يلاحظ أنّ سند حفص ليس من مرويات الطبري في القراءة. فمن ذلك ما أورده في سياق تفسير الآية السادسة عشرة من سورة المعارج في لفظة " نزاعة للشوى" " والصواب من القول في ذلك أنّ لظى خبر ونزاعة مبتدأ فذلك رفع ولا يجوز النصب في القراءة لإجماع قراء الأمصار على رفعها ولا قارئ قرأ كذلك بالنصب وإن كان للنصب وجه في العربية".

فالطبري نفى وجود قراءة بالنصب رغم أنّ قراءة حفص هي بنصب نزّاعة. فالظاهر إذن أن رواية حفص عن عاصم ليست من مرويات الطبري في القراءة وإنما كان عنده سند من رواية أبي بكر شعبة بن عياش. ومن ذلك ما أورده في صدد تفسير سورة الكهف الآية التاسعة والخمسين" وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا" قال الطبري" واختلفت القراء في قوله (لمهلكهم) فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق (لِمُهْلَكِهم) بضم الميم وفتح اللام، على توجيه ذلك إلى إنّه مصدر من أهلكوا إهلاكا وقرأه عاصم (لِمَهْلَكِهم) بفتح الميم واللام على توجيهه إلى المصدر من هلكوا هلاكا ومهلكا، وأولى القراءتين بالصواب عندي في ذلك قراءة من قرأه (لِمُهْلَكِهم) بضم الميم وفتح اللام لإجماع الحجة من القراء عليه." ذكر الطبري حينئذ قراءة الجمهور المجمع عليها ثمّ ذكر قراءة عاصم من طريق شعبة بن عياش دون طريق حفص.

فالطبري في تفسيره لا يعتمد قراءة حفص، وهو الخطأ الذي يقع فيه كثير من محققي كتب تفسير القرآن حين يضعون قراءة حفص عن عاصم باعتبارها سند المفسرين في التفسير، وهو ما لا يمكن الحكم بصوابه في ظل غياب التحقيق العلمي في كثير من الأحيان.

إن مرد الاختلاف في الرواية عن عاصم عند حفص وشعبة هي أنّ عاصما روى روايتين مختلفتين، فروى لأبي بكر شعبة قراءة علي، وروى لحفص رواية ابن مسعود، إذ كان" عاصم، الكوفي الأكبر سنا في مجموعة السبعة، طالبا عند عبد الرحمان السلمي وخلفه في إمامة القراءة. والمعلم الثاني لعاصم، زر بن حبيش، كان طالبا عند ابن مسعود وعلي. وتحاول النظرية المتأخرة توزيع منشأ قراءة عاصم على الراويين المشهورين، أبي بكر شعبة وأبي عمر حفص بن سليمان، مما يوضح الاختلافات الكبيرة الواضحة بينهما ".اهـ (تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ص610).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير