" والقسم الأكبر من هذه القراءات يرجع السبب في ظهوره إلى خاصية الخط العربي، فإن من خصائصه أن الرسم الواحد للكلمة قد يقرأ بأشكال مختلفة تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها، كما أن عدم وجود الحركات النحوية، وفقدان الشكل (أي الحركات) في الخط العربي يمكن أن يجعل للكلمة حالات مختلفة من ناحية موقعها من الإعراب.
فهذه التكميلات للرسم الكتابي ثم هذه الاختلافات في الحركات والشكل، كل ذلك كان السبب الأول لظهور حركة القراءات، فيما أهمل نقطه أو شكله من القرآن ".اهـ (المذاهب الإسلامية (ص4)، ترجمة د. محمد يوسف موسى).
إن المتأمل فى هذا الكلام، الذي ذكره جولد زيهر، يدرك أن الرجل يريد أن يقول في دهاء وخبث.
إن هذه القراءات تحريفات معترف بها لدى المسلمين، وأن النصوص الإلهية المنزلة
على رسولهم أصابها بعض الضياع، إنه لم يقل صراحة بالتحريف وإنما وضع المبررات لوجود التحريف في القرآن الكريم.
ثم أخذ بعد ذلك يورد أمثلة من القراءات وينسبها إلى السببين اللذين تقدم ذكرهما.
واقتفى أثره كثير من المستشرقين والحداثيين أمثال الشرفي وتلامذته المغرر بهم.
لقد حظي كتاب الله العزيز بعناية منقطعة النظير، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته.
ومن الحقائق الراسخة أن طريق تَلَقِّي القرآن كان هو السماع الصوتي، سماع صوتي من جبريل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن الرسول إلى كتبة الوحي أولاً ثم إلى المسلمين عامة.
هذا هو الأصل منذ بدأ القرآن ينزل إلى هذه اللحظة وإلى يوم الدين، في تلقي القرآن من مرسل إلى مستقبل.
ولا يزال متعلم القرآن في أشد الحاجة إلى سماع القرآن من شيوخ حافظين متقنين، وفى القرآن عبارات أو كلمات يستحيل أن يتوصل أحد إلى نطقها الصحيح عن مجرد القراءة في المصحف، ولو ظل يتعلمها وحده الدهر كله.
إن القراءات القرآنية وحي من عند الله عز وجل، ولا تدخل كل كلمات القرآن في القراءات، بل لها كلمات محصورة وردت فيها، وقد أحصاها العلماء وبينوا وجوه القراءات فيها، والكلمة التي تقرأ على وجهين أو أكثر يكون لكل قراءة معنى مقبولاً يزيد المعنى ويثريه.
بهذا تنهار الأفكار التي أرجع إليها جولد زيهر نشأة القراءات، لأن المسلمين من جيل الصحابة وإلى اليوم لم يتعلموا القرآن عن طريق الخط العربي من القراءة في المصاحف، وإنما تعلموه سماعاً واعياً ملفوظًاً كما خرج من فم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
إن إرجاع القراءات القرآنية لطبيعة الخط العربي الذي كان في أول أمره خاليًا من النقط والشكل، كما توهم " جولد زيهر " ومن بعده " آثر جيفري " في المقدمة التي كتبها لكتاب المصاحف، لأبي داود السجستاني حيث مسخ جيفري الكتاب بتحقيقه، وتابعهما المستشرق " جان بيرك "، وأذنابهم من أمثال الشرفي وغيره الذين يلهثون بكل إمكانياتهم لإثبات هذه النظرية من خلال هذا المشروع المشبوه، هذه النظرية مجرد وَهْمٍ سانده جهل هؤلاء الأدعياء على الفكر الإسلامي، مبدؤه ومنتهاه الحقد على الإسلام والتطاول على القرآن الكريم.
ـ[محمد كالو]ــــــــ[23 Mar 2009, 07:32 م]ـ
ينطلق عبد المجيد الشرفيه من مسلمات علمانية منها:
المسلمة التاريخية: ويقصد هذا الطرح العلماني إلى تبيين تأثير السياسة في الدين، واستغلال السلطة للدين للإجهاز على المجتمع. وتجتهد العلمانية في التفصيل في بعض المراحل التاريخية من تاريخ الإسلام؛ لتأكيد هذا المضمون، كسلسلة (الإسلام واحداً ومتعدداً) التي صدرت تحت إشراف عبد المجيد الشرفيه.
ويتبين ذلك من خلال أسماء كتب السلسة، ومن هذه الكتب:
ـ إسلام الفقهاء لنادر حمامي
ـ إسلام الفلاسفة لمنجي لأسود
ـ الإسلام الأسود لمحمد شقرون
ـ إسلام عصور الانحطاط، عبد الباسط القمودي وغيره.
وهي إذ تفعل ذلك تقرر ضمن مسلماتها أن لا نموذج لنظام حكمٍ يستمد قواعده وآليات اشتغاله من الدين الإسلامي.
ولا غرابة أن نجد معظم الكتابات العلمانية تتحاشى الحديث عن مرحلة النبوة؛ بل تتعمد إضفاء الطابع التربوي والأخلاقي على الرسالة المحمدية بقصد استبعاد كل مفاهيم السياسة والحكم عنها.
المسلمة الشرعية:
انطلقت العلمانية منبهرةً بمنتجات الغرب العمرانية، ثم انتقلت للحديث عن قيم الغرب خاصة منها الحرية والديمقراطية والحداثة وغيرها من المفاهيم، لتصل إلى مقصودها ونظامها المتلخص في فصل الدين عن الدولة.
نظرت العلمانية فوجدت خصمها ينهل من معين المعارف والعلوم التي تدور رحاها حول النظر في النص والاجتهاد فيه، فتوجهت نحو علوم القرآن لتثبت تاريخية النص، وأنه يخاطب قوماً معينين في مرحلة زمنية معينة وخاصة مفهومي (سبب النزول ـ والناسخ والمنسوخ، والقراءات المتواترة للقرآن الكريم).
ودخلت من باب علم الأصول لتقول: أن مجمل القواعد والضوابط ـ التي تجعل اليوم كآليات للنظر في النص ـ هي ذاتها غير مقدسة؛ وإنما هي اجتهادات لعلماء عاشوا مرحلة تاريخية معينة، ومادام أن العلماء اجتهدوا، وأصّلوا الأصول، وقعّدوا القواعد انطلاقاً من نظرهم التاريخي الخاص، فلنا الحق أن ننظر بآلياتنا الخاصة بما يتناسب مع المفاهيم الحديثة خاصة تلك التي لها تعلق بمفهوم التسامح والانفتاح.
ولا معنى عندهم للانضباط لنفس الآليات والقواعد التاريخية؛ لأن ذلك يعتبر هروباً إلى الماضي.
¥