وأبرأ إلى الله من الطعن في القراء السبعة والعشرة وغيرهم ومن الطعن في المصنفين من طرقهم بل أشكر لهم أن لم يدلسوا ولم يخلطوا الأداء بالقياس وإنما أعلنوا الأداء والرواية وأعلنوا القياس اجتهادا منهم رحمهم الله.
وإنما قصدت تحرير البحث العلمي المجرد في هذه المسألة الخطيرة الجديرة بالدراسة والترقيع لاستعادة أداء الصحابة الكرام القرآن عذبا وسلسلا غير مشوب بالقياس واللهجات.
ولقد تأثر علم القراءات منذ نشأته بمنعطفين اثنين:
أولهما تمسك القراء بعد جيل التابعين بلهجات العرب الذين عاصروا نزول القرآن، وجلي غير خفي أن جيل الصحابة فضلا عن التابعين لم يمض حتى لم يعد في الجزيرة قبيلة متقوقعة لا تعرف غير لهجتها إذ وقع الاختلاط ونفر الرجال إلى الجهاد خارج الجزيرة وتأثر العرب بالعجم مما يعني تأثر العرب بعضهم ببعض قبل ذلك.
وبانقراض جيل الصحابة لم يعد من قبائل العرب من لا يستطيع غير تخفيف الهمزة أو غير الإدغام الكبير أو غير قراءة نحو ? حيل ? و ? سيق ? و ? قيل ? بإشمام أوائلها الضم أو غير قراءة ذوات الياء بالإمالة إلخ ... ويعلم كل من درس كتب القراءات أن من القراء والمتعلمين العرب من لا يطيق التفرقة بين قسمي الإمالة ولا النطق ببين بين ولا الروم والإشمام منذ انقراض جيل التابعين إلى يومنا هذا.
وأما ثاني المنعطفين فقد بدأ مع نهاية القرن الثاني عقب قرّاء الأمصار إذ خلفتهم أجيال قال عنها ابن الجزري في النشر (1/ 9) فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية ومنهم المقصّر على وصف من هذه الأوصاف وكثر بينهم لذلك الاختلاف وقلّ الضبط واتسع الخرق وكاد الباطل يلتبس بالحق اهـ بلفظه
وخلص بعد ذلك ابن الجزري إلى أنه سبب تأصيل أصول وأركان القراءات التي هي صحة السند وموافقة وجه من النحو والرسم، واعتبار خلو القراءة من أحد هذه الأركان الثلاثة عند أئمة التدوين منذ القرن الثالث دليلا قويا لوصفها بالشذوذ أي عن أداء المصاحف العثمانية.
قلت: وإنما كانت هذه الأركان ميزانا وضعه المصنفون الأوائل الذين كانوا يجمعون ما وصل إليهم من القراءات وضابطا يقبلون به ما ألحقوه بالأداء من القياس ولهجات العرب وقواعد النحو والصرف كما يأتي قريبا تقريره.
ولقد كانت هذه الأركان لحفظ القراءات والروايات وضابطا لقبول انشطارها وتعدّدها إذ كانوا يكتفون بصحة السند إلى أحد المصنفين أو أئمة القراءات ولا يستطيع أحد رفع كل خلاف من قبيل اللهجات في القراءات إلى النبي ?.
ولقد كان نسخ هذه الأركان الثلاثة إحدى نتائج تحقيقاتي منذ سنة 2000 م بل يلزم عوضها الأداء المتصل بشرطه وتحريره من القياس، ذلك أن القراءات ورواياتها منذ عصور التدوين في القرن الثالث الهجري إلى يومنا هذا ليست كل واحدة منها هكذا أنزلت من عند الله فإن اعترض الباحثون على ادعائي هذا فليرفعوا إلى النبي ? إمالة ? البارئ ? في الحشر، ولن يستطيعوا إذ قد قرأها بالإمالة لأول مرة قياسا على حرفي البقرة ابن مجاهد في سبعته وأدرجها في رواية الدوري عن الكسائي.
وليرفعوا إلى النبي ? إدغام ? قال رجلان ? و ? قال رجل ?، ولن يستطيعوا إذ هو قياس على إدغام ? قال رب ?.
إن القراء والرواة قد أدرجوا في الأداء أي في القراءات من لهجات العرب ومن القياس شيئا كثيرا كما هي دلالة قول الداني في جامع البيان (1/ 139) بإسناده إلى اليزيدي أنه قال "كان أبو عمرو، وقد عرف القراءة فقرأ من كل قراءة بأحسنها ومما يختار العرب وبما بلغه من لغة النبي ? وجاء تصديقه في كتاب الله عز وجل " اهـ بلفظه
وقال في جامع البيان (1/ 167) ما نصه " وأخذ أبو عمرو من كل قراءة أحسنها " اهـ بلفظه
قلت: ولن ينكر أئمة القراءات المعاصرون أن أبا عمرو البصري قد ألف قراءته من بين سيل من الروايات التي تلقاها وأسأل بالله العظيم أئمة القراءات المعاصرين أن لا يكتموا شهادة عندهم الله عن مدلول قول الداني " ومما يختار العرب وبما بلغه من لغة النبي ? وجاء تصديقه في كتاب الله عز وجل " اهـ بلفظه أليس يعني أنه أدخل في الرواية من الأداء مما يختار العرب وبما بلغه من لغة النبي ?، وأنه أدخل في قراءة القرآن أداء غير منزل من عند الله بل هو مما يختار العرب من اللهجات وقواعد النحو والصرف والتي نطق النبي في أحاديثه بمثلها خارج
¥