أما المحبوب فهو خير من مشى على الأرض و خير من طلعت عليه الشمس بل هو شمس الدنيا و ضياؤها بهجتها و سرورها ريقه دواء و نفثه شفاء و عرقه أطيب الطيب أجمل البشر و أبهى من الدرر يأسر القلوب و يجتذب الأفئدة متعة النظر و شفاء البصر إذا تكلم أساخت له لقلوب قبل الأسماع فلا تسل عما يحصل لها من السعادة و الإمتاع كم شفى قلباً ملتاعاً و كم هدى من أوشك على الهلاك و الضياع.
قال ابن الجوزي رحمه الله في وصفه: [من تحركت لعظمته السواكن فحن إليه الجذع، و كلمه الذئب، و سبح في كفه الحصى، و تزلزل له الجبل كلٌ كنى عن شوقه بلسانه يا جملة الجمال، يا كل الكمال، أنت واسطة العقد و زينة الدهر تزيد على الأنبياء زيادة الشمس على البدر، و البحر على القطر و السماء على الأرض. أنت صدرهم و بدرهم و عليك يدور أمرهم، أنت قطب فلكهم، و عين كتبهم و واسطة قلادتهم، و نقش فصهم و بيت قصدهم.
ليلة المعراج ظنت الملائكة أن الآيات تختص بالسماء فإذا آية الأرض قد علت.
ليس العجب ارتفاع صعودهم لأنهم ذوو أجنحة، إنما العجب لارتفاع جسم طبعه الهبوط بلا جناح جسداني ... ].
المحبوب هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم.
أما نوع الحب فيكفي أنه حب أنطق الحجر و حرك الشجر و أبكى الجذع و أسكب دمع البعير فما بالك بإنسان له جنان يفيض بالحب و الحنان؟
فهيا أخي المبارك نتجول في بستان المحبة نختار من قصص الحب أروعها و نقتطف باقة عطرة من ذلك البستان الذي مُلئ بأجمل الأزهار و أعبقها:
القصة الأولى: الجذع يحن:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت) رواه البخاري
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا قال إن شئتم فجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه تئن أنين الصبي الذي يسكن قال كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها) رواه البخاري
و زاد في سنن الدارمي بسند صحيح قال: (أما و الذي نفس محمد بيده لو لم التزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزناً على رسول الله صلى الله عليه و سلم) فأمر به فدفن.
كيف ترقى رقيك الأولياء ... يا سماء ما طاولتها سماء
إنما مثلوا صفاتك للناس ... كما مثّلَ النجومَ الماءُ
حن جذع إليك و هو جماد ... فعجيب أن يجمد الأحياء
كان الحسن رحمه الله يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم شوقاً إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.
عن عمرو بن سواد عن الشافعي رحمه الله: ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً فقلت: أعطى عيسى إحياء الموتى. قال: أعطي محمداً حنين الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك.
يحن الجذع من شوق إليك **** و يذرف دمعه حزناً عليك
و يجهش بالبكاء و بالنحيب **** لفقد حديثكم و كذا يديك
فمالي لا يحن إليك قلبي **** و حلمي أن أقبل مقلتيك
و أن ألقاك في يوم المعاد **** و ينعم ناظري من وجنتيك
فداك قرابتي و جميع مالي **** و أبذل مهجتي دوماً فداك
تدوم سعادتي و نعيم روحي **** إذا بذلت حياتي في رضاك
حبيب القلب عذر لا تلمني **** فحبي لا يحق في سماك
ذنوبي أقعدتني عن علو **** و أطمح أن أُقرب من علاك
لعل محبتي تسمو بروحي **** فتجبر ما تصدع من هواك
القصة الثانية: الحمامة تشتكي:
عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ومررنا بشجرة فيها فرخا حمرة فأخذناهما قال فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصيح فقال النبي صلى الله عليه وسلم من فجع هذه بفرخيها قال فقلنا نحن قال فردوهما) رواه أبو داود والحاكم و قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
جاءت إليك حمامة مشتاقة ... تشكو إليك بقلب صب واجف
من أخبر الورقاء أن مقامكم ... حرم و أنك منزل للخائف
القصة الثالثة: الجمل يبكي:
¥