" مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ .. "
ـ[الفجر الباسم]ــــــــ[04 Nov 2010, 08:24 ص]ـ
جاء عن أبي هريرة رض1، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صل1: ((مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ)) حديث حسن رواه الترمذي وغيرُه.
وهذ الحديث صححه الألباني وغيره. انظر: صحيح وضعيف سنن الترمذي 5/ 318، ورياض الصالحين، تحقيق الدكتور الفحل، 1/ 73.
ولهذا الحديث طرق كثيرة، ولست بصدد الحديث عنها، بل أريد أن أسلط الضوء على متن هذا الحديث الذي أهتم به العلماء. ومن ذلك قول النووي – رحمه الله –:" جماع آداب الخير يتفرع من أربعة أحاديث .. "، وذكر منها هذا الحديث، وعده من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام. شرح النووي على مسلم (11/ 27).
"وهذا الحديث على وجازة ألفاظه يعده بعض العلماء نصف الإسلام، وبعضهم يقول: هو الإسلام، وبعضهم يقول: ربع الإسلام؛ لأنه من جوامع الكلم التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمع قصر ألفاظه، وقلة كلماته، اشتمل على آداب الإسلام.
(من حُسن إسلام المرء): الحسن في الشيء زيادة في جماله وكماله وتحسينه. وورد فيما يتعلق بعنصر الإحسان حديث جبريل عليه السلام، حينما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان، وكان الجواب النبوي الكريم عن الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه)، فالعبادة أصل، وإحسانها: أن تراقب الله حال عبادتك إياه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فيوجد عبادة، وإحسان تلك العبادة.
وهكذا الإنسان إذا بنى بيته، وأقام أركانه، يأتي بمحسنات، ويأتي بوسائل التجميل لهذا البيت. وهذا الحديث يتعلق بجوانب الترك، والذي هو في عرف الشرع واللغة: الكف، وترك ما لا يعني فعل، ومن هنا كان هذا الترك من محسنات الإسلام.
ما يعني المرء وما لا يعنيه:
ما الذي يعني المسلم وما الذي لا يعنيه؟ (يعنيه) أي: تتعلق العناية به، وتتعلق مصلحته بعين ذلك الشيء، فهذا الفعل يعنيه، وهذا الفعل لا يعنيه، ولذا قسم العلماء الأعمال بالنسبة لهذا الحديث أربعة أقسام: أمر يعنيك فعله، وأمر لا يعنيك فعله، وأمر يعنيك تركه، وأمر لا يعنيك تركه.
فإذا فعلت ما يعنيك وتركت ما لا يعنيك فقد جمعت الحسنيين، أما إذا تركت فعل ما يعنيك فهذا تقصير، وإذا فعلت ما لا يعنيك فهذا فضول، والكمال في فعل ما يعنيك وترك ما لا يعنيك، ولم يبق في عمل الإنسان وحياته قسم خامس بعد هذا.
والعاقل لا يضيع وقته عن أمر يعنيه ولا يفعله، فهذا تفريط في حقه وضياع، والعاقل لا يترك الأمر الذي يعنيه، ولا يتبع ما لا يعنيه ويفعله، وقد ذكر العلماء أن من علامة سخط الله على العبد أن يشغله بما لا يعنيه خذلاناً له.
وما اشتغل إنسان بما لا يعنيه إلا ضيع ما يعنيه؛ لأن العمل إما يكون في الحق وإما الباطل، وليس بعد الحق إلا الضلال، فإن شغلت وقتك في الحق وما يعنيك لم يبق عندك وقت لما لا يعنيك، وإن ذهبت إلى ما لا يعنيك فوت وضيعت ما يعنيك.
قال العلماء: أهم ما يعنيك فعل الواجبات، وأهم ما لا يعنيك فعل المحرمات، فمن حسن إسلام المسلم تركه ما لا يجوز له فعله؛ لأنه لا يعنيه، فترك المحرمات والمكروهات، وترك الكبائر والصغائر مما يعني الإنسان تركه، والشخص إذا ترك المحرمات والشبهات والمكروهات يسلم ولو قصر في الواجبات، لكن إذا أخذ من هنا، ومن هنا، فقد خلط عملاً سيئاً وآخر صالحاً.
إذاً: هذا الحديث كما يقول العلماء: ربع الإسلام، أو نصفه، أو كله: (من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه)، هذا منطوقه، ومفهومه المقابل: (فعله ما يعنيه)، وكأن هذا الحديث يضع المقياس للإنسان المسلم في حياته، ليعلم: ماذا يفعل، وماذا يترك؟.
أمثلة من الواقع لترك ما لا يعني:
لو نظرنا إلى حياة الناس في كل زمان ومكان، نجد الأمثلة على ذلك، فإذا كنت طالباً تمشي في الطريق، ووجدت اثنين يتحادثان، وجلست تتسمع لهما، فهل هذا يعنيك؟
ولو تزوج إنسان ثم سئل: كم دفع صداقاً؟ ومن هي المرأة؟ وكيف خطب؟ وكيف؟ وكيف؟ فهذا لا يعنينا.
لو مات إنسان، فسألت: كم عنده من الأولاد؟ وهل ترك لهم شيئا؟ وهل .. ؟ وهل .. ؟. وهذا لا يعنيك، والعوام يقولون: أردب ما هو لك، لا تحضر كيله، ما ينوبك إلا شيله. وهذا مثل يحذر من التدخل فيما لا يعني.
¥