تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حريةُ حرفٍ بينَ ضفتيِّ نهرٍ أصيلٍ

ـ[بنت اسكندراني]ــــــــ[04 Nov 2010, 02:41 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

حينما كنتُ أقلبُ نظري بين صفحات المواقع الالكترونية، لفتَ انتباهي عبارةٌ صغيرةٌ في أحدى المنتديات تقول في استحياء: (حرية حرف في نهر جار) ثم شُرِحتْ هذه العبارةُ بهذه الكلماتِ: (تعتبر حرية الرأي من أهم الحقوق الفكرية .. التي فطر الله عليها الإنسان، وتعد حقاً مكتسباً لأن الأصل في القول الجواز .. بشرط أن لا يتعدى القول حدودالشريعة) ورغم أن شرح هذه العبارة لم يستغرقْ أكثر من سطرين إلا أن العنوان هو ما أعجبني واستوقفني ... وتفتحتْ لي على إثره آفاقٌ فكرية شتى ... جعلتني أبحر في عمق الفكرة .. وأعماقٍ أخرى لا أدري لم خضتُها؟ ولكنني خضتُها ... ربما لأن شيئا فيها قد أثارَ أشجاني ... فانفلتتْ أحرفي من أغلال صمتي ... آتيةً بآهةٍ من أعماقي ... ومترجمةً لبعض تأملاتي.

لطالما وُلدتْ داخلي أفكارٌ مختلفةٌ ... شهدتُ ميلادها بعيني ... وهدهدتُ مهدها بيدي ... راقبتُ روعة طفولتها .. ومشاغبات صباها ... فلما استوتْ ثمارُها وقويَ عودُها ... هاجتْ عليّ وماجتْ ... وشرقتْ بي وغربتْ ... وتوالدتْ من بعضها البعضُ وتكاثرتْ ... واندلعتْ ثائرةً تطالبُ بحريةٍ خارج سجونها ... واصطفتْ تقاتلُني صفا لصف ... ويداً بيد , فإذا بمعارك دامية تدور رحاها خلف أسوار رأسي , وعلى أرصفةِ عقلي , محورُها: فرض سيادتي على أفكاري بالقمعِ ثم الدفنِ في عمليات وأدٍ جماعيةٍ.

وكم هي مهمةٌ شاقةٌ ومؤلمةٌ ... مؤلمةٌ حد الموت , فالكاتب حينَ تنبثقُ داخلُه فكرةٌ ما , فهي تؤلمُه حتى يترجمَها حروفاً مكتوبةً, فتحتضنُ أوراقَهُ بنياتِ أفكاره .. فيراها بعينه بعد مخاضٍ طويلٍ مرهقٍ ... جعله في شوق وتلهفٍ لرؤيةِ فلذةِ عقله.

قد ينتهي ألمُ هذا الكاتبِ بعد الكتابةِ حين يجد مَنْ يحترمُ سيلَ قلمه ... ويرقى للإطلاعِ على نتاجِ فكره ... ويرى انعكاسَ صفاءِ أعماقهِ على صفحةِ أوراقهِ.

وحين لا يحظى الكاتبُ بذلك القارئِ فإن الألمَ لن ينتهيَ , بل سيتضاعفُ. لأن الكاتبَ سيعمدُ إلى عملياتِ القتلِ والقمع الداخليِّ لأفكاره بالصورةِ الآنفِ ذكرها , ومن ثمّ يُسلمُ نفسه للصمت ... فيصمتُ ويصمتُ حدَ اليأس , فيستسيغُ الصمتَ حتى الثمالة.

هذا حال الكثيرين ممن يملكون قلماً لا أقولُ: لا سوقَ لرواجه , وإنما أقولُ: لامروّجَ له , وإن عُرضتْ كتاباتهم فالمحاربةُ والنقدُ والتجريحُ مصيرها ومآلها. وهؤلاءِ الكتّابُ ليسوا ـ كما قد يظنُ البعضُ ـ بأنهم أصحابُ أفكار شاذةٍ أو معتقداتٍ باطلةٍ , وإنما هم ـ ويالَ العجبِ ـ أصحابُ مبدأٍ قويمٍ , يعبرون عن رؤياهم ولكن بحريةٍ مقيدةٍ , مشكلتُهم تكمنُ في كونِهم في مجتمعٍ محافظٍ يُرادُ له الفسادُ لا الصلاحُ.

فكأني بأصحابِ المبادئِ هؤلاء وأصحابهم ممن لا مبدأ لهم كمجموعةِ صيادينَ , بعضهم توجه إلى النهر , والآخرون توجهوا إلى البحر. فأما مَنْ توجهَ إلى النهِرِ فقد تفرقوا فرادى في مراكبَ صغيرةٍ متواضعةٍ , بين جنباتِ نهرٍ يتهادى بضفتيه في ديباجةِ وادٍ أخضرٍ , كلٌ يصيد بحريةٍ تامةٍ ما يحلو له من الطيبات. أتراهم يضيعون في عرضِ نهرٍ محددِ النهايات؟؟ وإن ضاعوا أتراهم حين يبلغُ بهم العطشُ مبلَغه يموتون والماءُ العذبُ بين أيديهم؟؟ وهل تَرى إن تعرضتْ قواربهم للهلاك استحالة نجاتهم في ماء لا موجَ فيه ولا عمقَ , مع علمِكَ المسبق بأنهم سباحون مهرةً؟؟

أين هم ممَنْ ألقى بنفسهِ في عرضِ بحرٍ هائجِ الأمواج , لا أول له ولا آخر , في قاربٍ بسيطٍ يسيّرُه وحده , بأدواتٍ متواضعةٍ تناسب قارباً صغيراً يصيد الأسماك الصغيرة , ولكنه رغم ذلك أرادَ أن يتحدى صيادي الأنهارِ ويأتي من أعماق البحارِ بأيِّ شيءٍ شاذٍّ لم يُؤْلَفَ. أتراه يُبصرُ ـ هذا الصيادُ ـ دربَه في عرضِ البحر وحده دونَ معينٍ؟؟ وإن ضاعَ أتراه يصبرُ على العطشِ إن نفد الماء؟؟ وإن هلكَ مركبه أتراهُ وهو السباح الماهر يستطيعُ أن يصلَ إلى شاطئٍ لا يَعرفُ اتجاهه , في عمقٍ لا يَعرفُ قراره؟؟ وإن عاد لأهله فبأيِ خيرٍ سيعودُ به عليهم؟؟ وهل إن سلمِ مرةً تلوَ المرةِ أيضمنُ أن السلامةَ تأتيه في كلِ مرةٍ؟؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير