[عودتك لم تكتمل يا ابن عقيل الظاهري ..]
ـ[أحمد بن فارس السلوم]ــــــــ[06 Nov 2010, 11:11 ص]ـ
قبل زهاء عقد من الزمن كتب أبو عبدالرحمن بن عقيل - محولا شاهد سيبويه: لا بد من صنعا وإن طال السفر - ليقول: لا بد من تدين وإن طال السفر ..
ظننتها وقتئذ فيئة واضحة، ورجوعا عن تباريح تجرح المروءة، وتكشف ستر الله.
كان أبو عبدالرحمن بن عقيل يملأ عيني بأدبه، مع براءتي مما كان يجهر به من أقوال شاذة، انتصر فيها لابن حزم استدلالا كما كان يقول – ويوهمنا – لدهر طويل، ثم ترك ذلك في الآخر لما قام وازع الشيب واعترف أن شيئا من الهوى كان يؤزه أزا ..
وقد كاد إعجابي به أن يغويني في متابعته على شاذه هذا لولا رحمة ربي، وذاك زمان قد غبر على غمر، ومر من غير ذي أمر، كان ابو عبدالرحمن يدعو فيه لنفسه أن تسلم براجمه من الأوخاز، وكنت أردد صدى قوله هذا كلما قرأت له شيئا فأقول:
براجم سجلت دررا حسانا حماها الله من وخز حماها
في أبيات أخرى أمدحه فيها ..
رصدت أباعبدالرحمن في ما كتب على وجه الدهر من وراء وراء، أحيانا كنت أضحك جذلان مما يكتب، وأحيانا ابتسم وأنا أشهق وأتبرطم وأنا أزفر، وأحيانا ألوي شدقي يمنة ويسرة، وأخرى استغفر الله لي وله ..
لم يكن يخفى علي أن الرجل يعيش في صراع جواني، وفوضى في الاستدلال، واختلاف في النظر، مع أن فيه من آلات العلوم، وحدة الذكاء، والقدرة على فهم مضايق الكلام، ما يفوق به كثيرين.
لم يكن يخفى علي – كذلك - أنه يتجاذبه طرفان لا يجتمعان، ونقيضان لا يلتقيان، يتجاذبه تدين يدعوه هلم إلي فقد عال صبري، وشرعٌ مارسه من تطلبه فقه أهل الظاهر، ومجالسة بعض العلماء ..
ويتجاذبه كذلك ظرف أولع به من شعر النؤاسي، ومجون اقتبسه من دواوين الشعراء وكتب الأدباء، وعالم للعشق والجمال لا يوجد إلا في الخيال، لكن ابا عبدالرحمن طوق به نفسه مع ان شيخه ابن حزم ما طوق به إلا حمامة ...
ألفيت أبا عبدالرحمن في عامة ما يكتب من أمور الديانة غامضا في وضوحه، بعيدا في قربه، يقرر ثم يتردد، ويستدل فيستطرد، ويخلق ثم لا يفري، (= يقدر الشيء ثم لا يحسن تقطيعه) ويزور الكلام ويحسنه في تلافيف مخه وتجاويف عقله، ليدهش قارئه به، وينسيه ما كان بصدده، وقد حمله هذا على الجراءة على العلوم والخوض فيها معتمدا على شيخه الأول والآخير: الكتاب، مستعينا بفهم ثاقب يخدع، وذكاء يرمي ولا يُصْمي.
كتب أبو عبدالرحمن في صفحته بالجزيرة ردا على الشيخ الكلباني في إباحة الغناء احرفا حسنة، فقلت لما طالعت عنوان مقاله: فاء ورب الكعبة، لكن لما قرأت مقاله وجدت في تضاعيفه وبين سطوره شيئا يلوح من هذا الذي أقول عن تفحيطه بقارئه ..
ثم سمعته يقول في محاضرة النادي الأدبي بالرياض ما حاصله أن تركه للسماع ربما كان عن ورع وليس عن دليل .. أو شيئا من هذا القبيل ..
ويدندن بماض لم يكن - هو - فيه من السعداء، وبتجارب ليست من قبيل تجارب الحكماء ..
أتعبتنا يا أبا عبدالرحمن ..
من قبل قرأتُ له كلاما حول القراءات القرآنية تقحم فيه على فرس عيي، واتكأ على قوس فارض، فلا عجب أن أبطأ به قلمه، أو رمى عنه بنكس ذي عوج ..
كيف تريد يا أبا عبد الرحمن أن تفهم أسرار القراءات والأحرف السبعة وأنت لا تحسن حرفا واحدا، كنتَ شيخا كبيرا – تلاعب دقاقة الرقاب - حينما رفعت عقيرتك في المسجد فلحنت في حرف لا يلحن فيه صبي، ثم صوبك بعض غلمان المسجد ..
كيف تريد لتجاويفك وتلافيفك – كما تحب أن تسميها واستلبتها منك في بعض كتبي- أن تتسع لهذه الأحرف الكثيرة من كتاب الله فهما وعلما وهي مملؤة بالضد.
ثم ألقى أبو عبدالرحمن – منذ مديدة - طامته الكبرى حول كتاب الله عز وجل لما اختار الوقف وعدم القول ليس بمخلوق أو مخلوق ..
ما مثلك يا أستاذنا يا أبا عبدالرحمن يجهل معنى الوقف، أيها الفقيه المحدث الأديب النظار، وأظن أن الذي دعاك لهذا هو غلوك في الاحتجاج لأبي محمد بن حزم، والانتصار له، فواعجبا لك يا أبا عبدالرحمن إن خفي شيء عن أبي محمد ولاح لك حتى كان كالشمس أتتعامى من أجله!.
فيئتك يا أبا عبدالرحمن ناقصة غير تامة، ورجوعك لا يشفي ..
وأعيذك بالله أن تموت وأنت لا تحسن أن تقرأ كتاب الله، ولا تعرف ما ينبغي أن تعتقد فيه، فلا أنت بالذي أقمت حروفه ولا أنت بالذي وقفت عند حدوده.
بالله عليك يا شيخ لا تجمع لحنا في قراءته، وتضييعا لأحكامه، وجهلا في اعتقاده ..
يا أبا عبدالرحمن ..
ما يزال الذي كتبت من قبل: لا بد من تدين وإن طال السفر .. يدعوك، وسيبقى أبد الدهر شاهدا عليك إن لم تجبه ..
وأنا أقول لك: لا بد من توبة قبل أن ينقطع السفر، وينقضي العمر، وتقف بين يدي الله، فالبدار البدار.
محبك ..
ـ[إبراهيم الحميضي]ــــــــ[06 Nov 2010, 05:18 م]ـ
أما اللحن ولا سيما في الصلاة فأمر لا يكاد يسلم منه أحد، وقديماً قال الكسائي: يا خَلَفُ: يكون أحد من بعدي يسلم من اللحن؟ قال قلت: لا، أما إذ لم تسلم أنت فليس يسلم منه أحد بعدك، قرأتَ القرآن صغيرا وأقرأتَ الناس كبيرا وطلبتَ الآثار فيه والنحو.
وقد سمعنا بعض كبار القراء يقع منهم اللحن في الصلاة، سهوا أو نسيانا أو سبق لسان ...
وعلى كل حال ليتك يا أبا فارس تلطَّفت مع أبي عبد الرحمن.
وفق الله الجميع للزوم صراطه المستقيم.
¥