[الفتوة في الإسلام ماذا تعني؟]
ـ[عطيه محمد عطيه]ــــــــ[01 Nov 2010, 08:23 م]ـ
الحمد لله أحمده حمدا يليق بذاته , وأصلي وأسلم على رسول الله صلاة وسلاما تليقان بذاته الكريمة , أرحب بكم إخواني الأعزاء , وأدعو الله العلي القدير أن يفقهنا في ديننا , وأن يعلمنا ما ينفعنا , وأن ينفعنا بما علمنا , ... آمين.
الفُتُوَّة في الإسلام ماذا تعني؟
لدراسة هذا المعنى لابد في البداية أخي الحبيب من التفرقة بين لفظين الفُتُوَّة و الفِتِوَّة!!!
الكلمة الفُتُوَّة وليست الفِتِوَّة , فهذا اللفظ الثاني وما يحويه من معنى دارج بيننا حاليا (وخاصة عند أهل مصر) له معانٍ لا ترقى لأن نتدارسها في هذا البحث , إذ قد ألبسوا صفة الرجولة و الفُتُوَّة في عصرنا ذاك الحديث ثوب زور لا يناسبها ولا يليق بها، ووصفوها بأوصاف تترفع عنها وتأنف أن تتواصل بها إلى الناس .. إذ جعلوها تارة صفة للفحولة والذكورة، وتارة صفة للقدرة على الغلبة، وتارة صفة للقدرة على ظلم الغير بغير حق، وتارة صفة على طول الشوارب وفتولة العضلات!!!.
وإليك أخي الكريم بعض المعاني التي أوردها أهل العلم في معنى الفُتُوَّة وهي كلمة جميلة, تحمل معاني سامية, وتَرِدُ في ثنايا كتب العلماء, ومنشآت الأدباء, ودواوين الشعراء.
هي كلمة تدور حول معاني الشهامة, والرجولة, والخدمة, والبذل, وما جرى مجرى ذلك من مكارم الأخلاق.
وكثيراً ما يثني الشعراء على ممدوحيهم بوصفهم بالفُتُوَّة , وكثيراً ما يذكرون الفُتُوَّة في معرض الإعجاب.
قال أبو تمام في رثاء محمد بن حميد الطوسي:
فتى مات بين الضرب والطعن ميتة تقومُ مقامَ النصرِ إذ فاته النصرُ (صحيح الأعشى 2/ 362) ,
وقال الشوكاني:
ومن حاز الفضائل غير وانٍ فذاك هو الفتى كل الفتاء (البدر الطالع 1/ 349)
وكلمة الفتيان أو الفتى عند الأوائل تعني الشهم, الكريم, السخي, البشوش, المتغاضي, الأَلُوف الذي يقوم بالخدمة بلا منة ولا تباطؤ.
ومن كانت هذه حاله كان جديراً بالمحبة, والاحترام, وكان ممن يُحرص على صحبته, والقرب منه.
وإذا جمع إلى ذلك حسنَ الديانة, وصلاحَ الأمر, ولزوم الاستقامة, وطلب العلم - بلغ من العلياء كل مكان.
وإذا قَلَّت الفُتُوَّة هبطت منزلته بقدر ما فقد منها ولو كان ذا علم واستقامة.
قال سفيان الثوري رح1: " من لم يتفتَّ لم يحسن يتقَّرى ".
قال الخطابي رح1 معلقاً على كلمة سفيان: " إن من عادة الفتيان ومن أخذ بِأَخْذِهم بشاشةَ الوجه, وسجاحةَ الخلق, ولين العريكة ".
ومن شيمة الأكثرين من القراء سوء الخلق؛ فمن انتقل من الفُتُوَّة إلى القراءة كان جديراً أن يتبقَ معه تلك الذوقةُ والهشاشة.
ومن تقرَّأ في صباه - أي طلب العلم- لم يَخْلُ من جفوة, أو غلظة.
وقد يتوجه قول سفيان إلى وجه آخر, وهو أنه إذا انتقل من الفُتُوَّة إلى القراءة كان معه الأسف على ما مضى, والندم على ما فَرُط منه؛ فكان أقرب إلى أن لا يعجب بعمل صالح يكون منه.
وإذا كان عارفاً بالشر كان أشدَّ لحذره , وأبعد من الوقوع فيه " ا- هـ. (العزلة 1/ 89)
وقال سفيان الثوريرح1:" لأنْ أصحب فتى أحبُّ إليَّ من أن أصحب قارئاً "المصدر السابق 1/ 89.
وللإمام ابن القيمرح1 كلام جميل حول الفُتُوَّة في كتابه مدارج السالكين؛ (2/ 340) حيث أفرد منزلة من منازل كتابه , سماها منزلة الفُتُوَّة , وأفاض في الحديث عنها بما لا تكاد تجده عند غيره.
ومما قاله في ذلك: " ومن منازل: "إياك نعبد وإياك نستعين " منزلة الفُتُوَّة.
هذه المنزلة حقيقتها هي منزلة الإحسان إلى الناس, وكف الأذى عنهم, واحتمال أذاهم؛ فهي استعمال حسن الخلق معهم؛ فهي - في الحقيقة- نتيجةُ حسنِ الخلق واستعماله.
والفرقُ بينها وبين المروءة أن المروءةَ أعمُّ منها؛ فالفُتُوَّة نوع من أنواع المروءة؛ فإن المروءة استعمال ما يجمل ويزين مما هو مختص بالعبد, أو متعدٍّ إلى غيره, وترك ما يدنس ويشين مما هو مختص - أيضاً - به أو متعلق بغيره.
و الفُتُوَّة إنما هي استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق".
¥