وإذا رأيت مزارعاً في أرضه يحرثها أو يعمل فيها، فنقول: كيف تحرثها؟ ولأي شيء تحرثها؟ وماذا ستزرع فيها؟ فهذا لا يعنيك، إذا كنت تريد أن تشتريها، وتريد زراعتها، فعند ذلك لك أن تسأل.
إذا أضعت وقتك في الجدال وتدخلت في كل نقاش - خصوصا في المنتديات- وأجبت بما لم تُسأل عنه، وما لم يوجه إليك، فهذا حتماً لا يعنيك.
وقد أكثر العلماء من الأمثلة على ترك ما لا يعني، والقاعدة العامة: أن تنظر ماذا سيعود عليك هذا العمل من نفع؟ فإن كان سيعود عليك نفع منه فهذا يعنيك، وإن كان لن يعود عليك منه نفع فهو لا يعنيك، ونفع المسلم فيما ينفعه في دينه ودنياه.
في دينه: كأن يتعلم شيئاً يجهله، وأن يعمل بشيء كان تاركه.
وفي بدنه: أن يعالجه ويحافظ عليه ويطعمه ويكسوه.
وفي ماله: بأن ينميه ويحفظه عن الحرام وغير ذلك.
وفي عرضه: بأن يحفظه ويصونه من مواقف السوء، وألا يقف في موقف شبهة، وغير ذلك ". شرح الأربعين النووية، دروس للشيخ عطية محمد سالم – رحمه الله - بتصرف.
ما الذي يستفيده المرء إن ترك ما لا يعنيه:
- اشتغل بما يعنيه وما ينفعه.
- أصبح قلبه سليم على إخوانه.
- أراح ذهنه من التفكير في أمور لا تعنيه، وبهذا يتخلص مما قد يعكر حياته ويسبب بعض الأمراض له، كارتفاع الضغط والسكر وغيرها (فائدة جسدية).
- من أسباب القرب من الله، والخشوع في الصلاة.
- ازداد علمه، يقول ابن عثيمين – رحمه الله -:" ومن أضر الأمور على طالب العلم ألا يكون له هم إلا تتبع أقوال الناس وما قيل وما قال، وما حصل وما يحصل في أمر ليس معنيًّا به، وهذا لا شك أنه من ضعف الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، والاشتغال بالقيل والقال وكثرة السؤال مضيعة للوقت، وهو في الحقيقة مرض إذا دبَّ في الإنسان ـ نسأل الله العافية ـ صار أكبر همه، وربما يعادي من لا يستحق العداء، أو يوالي من لا يستحق الولاء، من أجل اهتمامه بهذه الأمور التي تشغله عن طلب العلم بحجة أن هذا من باب الانتصار للحق، وليس كذلك، بل هذا من إشغال النفس بما لا يعني الإنسان، أما إذا جاءك الخبر بدون أن تلقفه وبدون أن تطلبه، فكل إنسان يتلقى الأخبار، لكن لا ينشغل بها، ولا تكون أكبر همه؛ لأن هذا يشغل طالب العلم، ويفسد عليه أمره .. إلى آخر كلامه رحمه الله" كتاب العلم (ص 231).
من خلال ما سبق يمكن أن نلخص الفوائد التربوية لهذا الحديث:
" الفائدة الأولى:ي هذا الحديث دل على تفاوت الناس في الإسلام فمن حسن إلى أحسن وهكذا.
الفائدة الثانية: يحث على ترقي الإنسان إلى تحسين إسلامه قدر استطاعته.
الفائدة الثالثة: فيه حفظ لخصوصيات الغير، فيقطع ما تميل إليه النفس من التطلع والبحث في شؤون الغير لأنها لا تعنيه.
الفائدة الرابعة: على الإنسان أن ينشغل بنفسه وما يعنيها وإصلاحها ويترك شؤون الناس التي تعنيهم.
الفائدة الخامسة: من كمال إسلام المسلم أن يترك ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال.
الفائدة السادسة: فيه تربية على علو الهمة حيث قال في أول الحديث " من حسن إسلام المرء " فكأنه قال هناك منازل عالية في الإسلام ثم بينها ليتسابق الناس إليها.
الفائدة السابعة: يربي في الإنسان الحرص على ما فيه فائدة له وترك ما لا فائدة لأنه لا يعنيه فلا يحصل من ورائه إلّا التعب وضياع العمر وذهاب حسن الإسلام.
الفائدة الثامنة: ترك ما لا يعني من الأقوال يدخل فيه حفظ اللسان عن الباطل واللغو وما لا فائدة فيه.
الفائدة التاسعة: ترك ما لا يعني من الأفعال يدخل فيه ترك المحرمات والمكروهات والمشتبهات وفضول المباحات التي لا تقربه إلى الله سبحانه لأنها ليست مما يوليه المؤمن عنايته وحرصه.
الفائدة العاشرة: فيه تربية للمسلم على حفظ وقته بدل أن يضيع فيما لا يعنيه أمره، فتجده مغتنماً للحظاته وليس لديه وقت، للبحث في شؤون الغير.
الفائدة الحادية عشرة: معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أعطي جوامع الكلم لأن الحديث ذم الإنشغال بأمور كثيره جداً كلها داخله تحت جملته تلك صلى الله عليه وسلم. " تعليقات تربوية على الأربعين النووية،عقيل بن سالم الشمري (ص 21).
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[04 Nov 2010, 10:42 ص]ـ
ما أبلغ هذا الحديث أختي الكريمة! شكر الله لك هذه المشاركة ونفع بك.
ما أجمل هذه العبارة وما أحرانا أن نذكرها كلما أردنا المشاركة في موضوع:
" إذا أضعت وقتك في الجدال وتدخلت في كل نقاش - خصوصا في المنتديات- وأجبت بما لم تُسأل عنه، وما لم يوجه إليك، فهذا حتماً لا يعنيك."
لو أن الإنسان المسلم يلتزم بآداب هذا الحديث حقًا لكان الناس أهنأ بالًا وأصفى سريرة وأسلم قلبًا!
ـ[الفجر الباسم]ــــــــ[04 Nov 2010, 08:48 م]ـ
ليتنا نربي أنفسنا بمثل هذا الحديث .. أشكر لك مرورك أختي الفاضلة.
"وقد ذكر العلماء أن من علامة سخط الله على العبد أن يشغله بما لا يعنيه خذلاناً له ... وما اشتغل إنسان بما لا يعنيه إلا ضيع ما يعنيه"