هيئة كبار العلماء المعروفة بالجمعية العلمية رئيسا لصحيفتها الأسبوعية التي كانت تصدرها بعنوان بيان الحق، ليعيّن بعدها عضوا في دار الحكمة "هيئة كبار العلماء"، تولى بعدها تدريس الحديث الشريف في مدرسة السليمانية. اختير نائبا عن مدينة توقاد في المشروطية الثانية بتاريخ 1 يناير 1908م، ثم تولى في عهد وزارة الداماد فريد باشا الأول المشيخة الإسلامية سنة 1919م بناء على الإرادة السلطانية، وظل محتفظا بمنصبه في الوزارتين المتعاقبتين.
ولما ضاق به حال البلاد بناء على ما تعرّض له من ضغط وتقييد اضطر إلى الهجرة. سافر إلى مصر سنة 1923م ومنها إلى لبنان، وبقي على تلك الحال متنقلا، فزار مكة، وعاد إلى مصر سنة 1932 م وهذا بعد الإقامة القصيرة بتركيا.
آثاره العلمية ووقفة مع كتاب "موقف العقل"
تتوزّع آثاره العلمية على العديد من أنواع التأليف؛ ففيها الكتاب الجامع وفيها الكتاب البسيط ومنها أيضا المقالات المتخصصة. وقد ألّف باللغتَين العربية والعثمانية (التركية القديمة). وأهم كتبه: النكير على منكري النعمة من الخلافة والأمة، موقف البشر تحت سلطان القدر، قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب، القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون بالغيب، موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين.
تضمن كتاب "موقف العقل" زبدة أفكاره وآرائه السياسية والعلمية. فهو كتاب غني بالمطارحات الفكرية المتنوعة حيث تجد المناقشات الفلسفية العالية والكلامية الدقيقة والسياسية في جانبيها النظري والعملي. والكتاب من عنوانه يدل على أن الغرض الأصلي منه هو الدفاع عن عقيدة الإسلام. والقيام بهذا العمل فرض عليه الحديث المسهب عن كثير من القضايا حيث أنه:
• كشَف المؤامرات التي تعرّض لها الإسلام من زاويتي التحدي بالسلاح من خلال هجمات الغربيين، والتحدي الفكري العقدي الذي تقوده قوى الإلحاد والفجور، فعمل بهذه المطارحات على مجابهة الفريقين.
• بيّن في كتابه قيمة الدليل العقلي مقارنة مع الأدلة التي استند إليها المثقفون الغربيون أو المتغربون. فبرهن بأن الدليل العقلي أيقن من الدليل التجريبي، ويعد النقاش في هذه المسألة تأريخا لوجودها في البيئة الإسلامية المعاصرة.
• ناقش أدلة فلاسفة الغربيين على وجود الله، كما ردّ شبه النافين من الملاحدة. وهذا الجهد يدل على إحاطته بالفكر والفلسفة الغربيين عامة بخلاف ما ذهب إليه بعض الباحثين.
• حارب الشبه المعربة عن الفكر الغربي (المترجمة)، والتي منها الاستخفاف بالدليل العقلي والاستناد الكلي للدليل التجريبي، حتى غدا المنهج التجريبي هو المنهج الأصيل والوحيد الممثل للثقافة الإسلامية.
ولقد نشر للشيخ مصطفى صبري مقالات باللغة التركية والعربية في الجرائد اليومية، كما نشر له مقالات في المجلات العلمية في تلك الفترة. وتعد هذه المقالات على تنوّعها دفاعا عن الإسلام وإبرازا لقوته العلمية. إنه حاول إرجاع هيبة الإسلام المفقودة، وذلك ببعث قوّته العلمية والفكرية في ساحة كثر فيها العلماء المعجبون بالغرب وحضارته وفلسفته، حتى عد المنافح عن دينه وحضارة أمته نشازا يشار إليه بالبنان.
سمات مؤلفاته
القراءة الفاحصة لعناوين المؤلفات يبيّن بجلاء أننا أمام شخصية علمية نذرت نفسها لمدافعة الباطل والدفاع عن الحق في العلم والسياسة. فالعناوين المختارة دالة بنفسها على ملكة المطارحة، ويؤكد هذا المسلك القراءة الأولية لما كتبه الرجل. إن المصطلحات الموظفة في التعبير عن عناوين الكتب والمقالات تدل بنفسها على العقلية الجدلية التي يتميّز بها.
إن كتبه باللغة العربية أكبر من أن نشرحها لدلالتها المباشرة على ما رمنا بيانه في الفقرة السابقة. انظر معي لفظ "النكير"، فهو دال بنفسه على الاستنفار والإنذار والتنبيه مع شدّة في اللفظ، إنه نكير على منكري النعمة من الخلافة والأمة. وأعمل مسلك الإنكار نفسه في كتابه "مسألة ترجمة القرآن"، فقد عرضها كمسألة يراد توجيه الأنظار فيها إلى رأي مرجوح، فرام من خلال المطارحة الهادئة والهادفة إلى بيان القول الفصل في المسألة. ونسج على المنوال نفسه في كتابه "القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون بالغيب"، فحاول الفصل في مسألة كثر فيها الكلام وفق مشارب الآخر، لهذا ركب
¥