لقد جاوزت السبعين من عمرك، الذي أسأل الله أن يطيله على الخير والصالحات، وقد قال نبينا الكريم "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ" فأنت الآن من القليل، فاحمد الله تعالى على أن أمد في عمرك، ومن تمام الحمد أن تبذل له، وهو الذي منّ عليك كثيرا في هذه الحياة .. أن تبذل له شيئا يسيرا مما أعطاك، بأن تغيّر مسار هذه الشبكة القنواتية، وتصبغها باللون الذي تتمنّى أن تغادر الدنيا _ بعد عمر مديد _ وهي عليه.
ولست بحاجة إلى تحديد ذلك اللون، فتجربتك الرائدة والناجحة في قناة اقرأ كفيلة بأن تمدّك بالكثير مما قد تحتاجه في هذا الصدد. مع أني أحيل كثيرا من النجاح المرتقب إلى عقليّتك اللوذعية، وحكمتك وفاضل علمك، والذي كثيرا ما يبهر المشاهدين الذين يتمتّعون بمشاهدة ندواتك حول الاقتصاد الإسلامي في قناة اقرأ، فتجمع لهم المتعة والفائدة وحكمة السنين في طبق من البساطة الذكيّة المناسبة لأبناء هذا الزمن.
وبما أن الحديث قد جرّني لذكر الاقتصاد الإسلامي وأنت صاحب اليد الطولى في هذا المجال وجهودك الجبارة في الاستثمار في المصرفيّة الإسلامية مشهودة مشكورة، فإني أذكرك بنصيحة أمّك التقيّة، والتي أوصتك بعدم وضع مالك في الاستثمارات الربوية، فانظر كيف أن تجارتك قد تضاعفت وقفزت قفزات خرافية، حين صدفت عن داعي الهوى، ولجأت إلى ما يُرضي المولى سبحانه، وكيف وصلت الثلاثة ملايين إلى ثلاثة مليارات في غضون سنوات يسيرة لا تتجاوز الخمس، فهذا من فضل الله الذي يزيده ويضاعفه لمن ترك شيئا له سبحانه ..
فهل يعز على من هذه إحدى تجاربه مع الله أن يترك شيئا لله ..
لقد أعجبتني كلمة سمعتها منك في إحدى اللقاءات التلفزيونية والتي قلت فيها أن المال هو مال الله، فيجب أن يوضع في مرضاة الله .. ولا أظن الأفلام والمَشاهد التي تُعرض في بعض قنوات مجموعتك مما يرضي الرب سبحانه .. مع أني متأكد _ وأظنك مثلي _ أن المال الذي أنشأت به مجموعتك هو مال الله .. أليس كذلك يا سيّدي؟
ها قد ذهب الإعلامي السابق، والشيخ الفاضل معالي الدكتور محمد عبده يماني (رفيق دربك) ولم يترك من الدنيا إلا ذكرا عاطرا حسنا، نحسده عليه، ولا أعلم أحدا إلا ويغبطه على خاتمته الحسنة ... فلماذا لا تصنع لنفسك _ وأنت صانع الفرص _ خاتمة مشهودة، وفضلا يعلمه القاصي قبل الداني، بأن تهب هذه المؤسسة لله، فتجعها خير ناشر لدين الله، وخير معلّم لكتاب الله، هذا الكتاب الذي مات صاحبك الحبيب وهو ينادي بتعليمه، ما رأيك أن تجعل مؤسستك هذه وقفا لصاحبك، يتعلم من خلالها الملايين كتاب ربّهم، وسنّة نبيّهم، وتعوّض نبضاته الحانية التي فارقت الحياة غيرة على هذا الكتاب، بأن تحوّل كادرك الإعلامي الضخم إلى خادم لهذا الكتاب العزيز؟ عسى أن يمحو الله تعالى بذلك عنك ما أسلفت، وكلّنا قد أسلف من الأعمال ما يسأل الله عنها العفو والمغفرة.
لا أحب أن أطيل، ولكنّي أحب أن أثير خيالك الخصب، والذي أمدّك بكثير مما حوّلته إلى إنجازات منظورة، أحب أن أثيره .. ليتخيل يوم أن تقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليسقيك من نهره شربة لا تظمأ بعدها أبدا _ إن شاء الله _ .. ثم يسألك هذا النبي الكريم الذي أجزم أن حبّك له لا حدود له عن هذه المجموعة التي تنشر أشياء لم يكن ليرضاها حبيبك .. من سفور وتبرّج ونشر للأخلاق الساقطة والتي أجزم أنّك لو علمت تفاصيلها لما رضيت بها، ولاقشعرّ جسدك المحب لهذا الدين، ولخفق قلبك النابض بتعظيم رب العالمين، حين تتخيل أن مليون مشترك يرى ويسمع ويتابع تلك المخازي السينمائية ..
هل تتمنى أن يعلم رسولك وحبيبك بكل هذا، أم أنك تتمنى _ وما زلنا في مسرح الخيال _ أن تجيبه إذا سألك بأنك قد بعتها لله، وجعلتها خير ناشر لدينه الذي أمضى عمره داعيا له، ومنافحا عنه .. أغلق الآن ستائر هذا المسرح الوهمي ..
ثم قم كما يقوم الشجعان، وانهض إلى مكتبك، واستقبل الله بقلمك الذي وقعت به عشرات المشاريع .. واكتب ما يرضي ضميرك، ثم أغمض عينيك ونم هانئ البال ..
" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " ..
كلنا مسرفون على أنفسنا .. وكلّنا نحترق عندما ننام ونحن نشعر أننا في حرب مع الله سبحانه .. فكيف بنا لو طالت تلك الرقدة؟ كيف بنا لو متنا مثلا؟ إن الموت إحدى الاحتمالات القوية التي نضعها بجانب أسرّتنا لحظة إغماض أعيننا .. فما أجمل أن نضع بجانب هذا الاحتمال، شعورا بالراحة، وبأن الغفور الرحيم قد أبدل سيئاتنا حسنات. ساعتها، لا فرق كبير بأن نستيقظ، أو لا نستيقظ .. هذا على الأقل ما أشعر به ..
أخيرا: أدعو المولى أن يرفع عنك البأس، ويطيل عمرك في الصالحات، ويختم لك بخاتمة رضيّة، ويجمعك في الجنة مع رفيق دربك .. إنه مجيب الدعاء ..
أخوك: علي جابر الفيفي
¥