ـ[علي المعشي]ــــــــ[14 - 10 - 2007, 04:15 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الموقر الدكتور الأغر
أخي العزيز مغربي
أما بيت الفرزدق في رثاء الحجاج فلا يصح ما ذهبتم إليه فإن المراد: ليبك على الحجاج كل من يهتم لأمر دينه وكل شار بائع نفسه في سبيل الله واقف على الثغور يدافع عن أرض الإسلام وكل يتيم فقد العائل.
فالبيت الذي أورده أستاذنا، لا يحتمل تخريجك على كون "شار" معطوفا على الدين، لتبرير الجر في " واقف" حسب ما تأتى لك من معنى متكلف، فالشاري البائع نفسه والمرابط على الثغر ليس هو الحجاج، فالحجاج لايقف على الثغور ويرابط، فأنى لك هذا القول.
ليبك على الحجاج من كان باكيا ... على الدين أو شار على الثغر واقف
نحن متفقون على أن الشاري في البيت هو المجاهد الذائد عن أرض الإسلام، ولكني أراكما تنفيان أن يكون الموصوف بالشاري هو المرثي، وقد رد ذلك أخونا المغربي بأن الحجاج لا يقف على الثغور ولا يرابط!!
أليس المقول شعرا؟ ثم أليس من سماتنا نحن العرب أن نجعل من كل حاكم لنا بطلا مجاهدا حاميا للإسلام مهما كان الأمر؟!!
ثم إنكما لو أردتما ما يؤكد أن الشاري في البيت إنما هو المبكي عليه لا الباكي لوجدتماه في هذا البيت من القصيدة نفسها،
حيث وصف الفرزدق الحجاج برعاية الدين وضرب الأعداء فقرن بينهما:
وَماتَ الّذي يَرْعَى على النّاسِ دِينَهم،
وَيَضرِبُ بالهِندّي رَأسَ المخالِفِ
وهنا يقرن رعايته للدين بالبطولة والذود عنه الدين بالسلاح أيضا.
وَكانَتْ ظُباتُ المَشرَفِيّةِ قَدْ شَفَى
بها الدِّين والأضْغانَ ذاتَ الخَوَالِفِ
وفي مواضع من قصائد أخرى نجده يخلع عليه تلك الصفتين وغيرهما مثل:
وَلمْ أرَ كالحَجّاجِ عَوْناً على التّقَى،
وَلا طَالِباً يَوْماً طَرِيدَةَ تَابِلِ
بسَيْفٍ بهِ لله تَضْربُ مَنْ عَصَى
على قَصَرِ الأعناقِ فَوْق الكَواهلِ
لَهْفي عَلَيْكَ إذا الطِّعَانُ بِمَأزِقٍ
تَرَكَ القَنَا، وَطِوَالُهُنّ قِصَارُ
إذا حارَبَ الحَجّاجُ أيَّ مُنافِقٍ،
عَلاهُ بسَيْفٍ كُلّمَا هُزّ يَقْطَعُ
فكيف تستبعدان كون الشاري مجرورا بالعطف على الدين لتثبتا وقوع الشاعر في الإقواء؟
وهل يكون من التكلف أن يخرج المعنى على أن الشاعر (العربي) يصف الحاكم (العربي) المرثي بأنه مجاهد ذائد عن أرض المسلمين؟؟؟؟؟
ومن أصر على أن الباكي هو الشاري المجاهد الفعلي على الثغر فليعد إلى القصيدة ليرى ماذا قال الفرزدق حينما تحدث عن الجيش الحقيقي المرابط:
َيقُولُونَ لَمّا أنْ أتَاهُمْ نَعيُّهُ،
وَهم من وَرَاءِ النهرِ جَيشُ الرّوَادِفِ
شَقِينا وَماتَتْ قُوّةُ الجَيشِ وَالّذِي
بِهِ تُرْبَطُ الأحْشاءُ عِنْدَ المَخاوِفِ
لنتأمل قوله (ماتت قوة الجيش)، وأنه حتى على هذا المعنى (أي كون الشاري هو الجندي الفعلي) لا يكون الشاري إلا مبكيا عليه وبالتالي يكون مجرورا بالعطف لا الجوار (ليبك على الحجاج من كان باكيا على الدين أو شار على الدين واقف)
فالبكاء على الدين الذي مات حاميه، والبكاء على الشراة الذين (ماتت قوتهم). وأما أم اليتامى في البيت الثاني فالعطف ـ كما تفضلتما ـ على (من) الموصولية.
هكذا يستقيم المعنى والإعراب، ولا إقواء في البيت، ولا أجد هنا أحسن مما قاله شيخنا د. الأغر حيث قال: (ومن تلمس معنى آخر للبيت فليس بمصيب وإن حظي من الشهرة بأوفر نصيب).
وأما صدق الأوصاف على الحجاج فذلك شأن الشاعر، وهذا دأبنا نحن العرب في مدح حكامنا ورثائهم جلّ ما نقوله كذب، فهل ننكر هذا على الفرزدق وحده؟!!!
أظنني أطلت وأمللت ولكن لا بد مما ليس منه بد.
وتقبلوا أزكى تحياتي.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[14 - 10 - 2007, 08:10 ص]ـ
كلام إنشائي جميل وماتع حقيقة أخي علي، رغم ذاك لم أقتنع، فلتعذرني أيها المبارك!
ليس لأننا مختلفين، بل لأنك قمت بعملية تناص محلها النقد من جهة ومن أخرى لم تلتفت إلى البيت الثاني بعد البيت محل إيراد أن "واقف" محلها الرفع! ولا بأس بإعادة البيتين:
ليبك على الحجاج من كان باكيا ... على الدين أو شار على الثغر واقفِ
وأيتامُ سوداء الذراعين لم يدع ... لها الدهر مالا بالسنين الجوالفِ
هنا نجد أن البكاء على الحجاج من ثلاث جهات: من بكى على الدين و الشراة الواقفون على الثغور، والأيتام الذين لا عائل لهم
وإن كنت تريد عملية نقدية سيميائية فأبشر أخي:
من الذي يبكي على الحجاج؟ من يبكي على الحجاج هم من يرون في الحجاج:
- خليفة الله في أرضه
- القائد المحنك
- العائل الراعي
وبذلك فقد جمع الفرزدق أصنافا ممن يبكي الحجاج ويرثيه ..
بمعنى أن كل صنف يمثل رمزا وبالتالي فالرمز ينبني على دلالة لها مرجعية فالحجاج:
عند كل من يهتم بأمر الدين، هو / خليفة الله في الأرض
وعند الشراة الواقفين على الثغور هو / القائد المحنك
وعند الأيتام والمساكين هو / العائل الراعي
وتلك الرموز الدالة لها أن تبكي الحجاج ويحق لها أن ترثيه، ويحسن لها أن تتوجع للفقد، وأن تتقلب على نار الفجيعة ..
وبعد أخي، أعتقد أننا شققنا على القارىء، فلم يعد داريا إلى أين يذهب، فلو أنك التقطت إشاراتنا في الآتي:
فهل لديك شاهد على بدل من ضمير ويكون نكرة؟!!!
وإنه ليسعدني أن تأتي لنا بشاهد واحد هو نص في المسألة بحيث لا يحتمل غير هذا الذي تقول به، فهل يمكنك أن تأتي بشاهد واحد أبدل الظاهر من الضمير وكان الظاهر نكرة!
أما إبدال النكرة من الضمير فلا أحفظ له شاهدا قطعي الدلالة، فلعل الأخ عليا يتحفنا بما وقف عليه في هذا الباب ..
لما طال النقاش، ولتمثلنا بـ:" وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ "
ولك التحية
¥