واللهَ أَسْتَعِينُ فِي كُلِّ عَمَلْ إِلَيْهِ قَصْدِي وَعَلَيْهِ المُتَّكَلْ
بدأ الناظم على عادة أهل العلم بما استقر في عرفهم بالبسملة وهي [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] وذلك لأمور:
أولاً: اقتداءًا بالكتاب العزيز؛ حيث بدأ ببسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.
ثانيًا: اقتداءًا وتأسيًا بالسنة الفعلية؛ حيث كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا كتب كتابًا ما قال: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من محمد بن عبدالله إلى هرقل عظيم الروم، كما في صحيح البخاري رحمه الله تعالى.
ثالثًا: التبرك بالبسملة؛ لأنَّ الباء هنا للاستعانة أو للمصاحبة على وجه التبرك، والمعنى بسم الله الرحمن الرحيم حالة كوني مستعينًا وطالبًا التوفيق والإعانة من الله عز وجل على ما جعل البسملة مبدءًا له.
رابعًا: اقتداءًا بالأئمة المصنفين، قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله -: وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على أن يفتتحوا كتبَ العلم بالتسمية وكذا معظم كتب الرسائل.
وأما استدلال بعضهم بحديث «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر أو أجذم أو أقطع» فهذه الروايات كلها ضعيفة. ومثلها ما جاء في الحمدلة.
[بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] هنا الناظم -رحمه الله- بدأ نظمه بالبسملة، وإذا استقر عمل أئمة التصنيف على ابتداء كتبهم بالبسملة فهل المراد بها المنثورات دون المنظومات؟ وهل المنظوم الذي هو الشعر كالمنثور؟ نقول: أما ما كان من المنظومات العلمية التي ضمَّنها أهل العلم مسائل العلم؛ منظومةً على بحر الرجز أو غيره فهذه باتفاق العلماء يستحب البداءة فيها بالتسمية. وما عدا ذلك ففيه قولان لأهل العلم: قولٌ بالمنع. وقولٌ بالجواز. فالأول: روي عن الشعبي أنه قال: أجمعوا أن لا يكتبوا أمام الشعر بسم الله الرحمن الرحيم. وروي عن الزهري أنه قال: مضت السنة أن لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم. والثاني: قول جمهور أهل العلم تبعًا لما نقل عن سعيد بن جبير وأبي بكر الخطيب -رحمهما الله- لأن الجواز هو الأصل. فالأصل استحباب البداءة بالبسملة في كل أمر مباح. وما عدا المنظومات العلمية فتأخذ حكمه، فما كان من الشعر محرمًا فالتسمية حرام؛ لذلك أجمعوا على أنه لا يحل لمن شرب مسكرًا أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. بل يعتبر في بعض المذاهب أنه قد كفر وارتد لأنه مستهزئ بالله. وما كان مكروهًا من الشعر كالغزل ونحوه يكره فيه البداءة بالتسمية، وما عدا ذلك فالأصل أنه مباح والتسمية تكون حينئذٍ مباحةً؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يأتي دليل ينص على أن البسملة حينئذٍ تكون محرمةً فإذا كان مباحاً فالأصل الاستحباب.
[بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] نقول: [بِسْمِ اللهِ] هذا جار ومجرور، وعند النحاة أن حرف الجر إذا كان حرفًا أصليًا- كما هنا على الصحيح - فلابد أن يكون متعلِّقًا بمحذوف، وهذا المحذوف نقدره على الأصح فعلاً لا اسماً، وعامًا لا خاصًا، ومؤخرًا لا مقدَّمًا. [بِسْمِ اللهِ] فالباءُ أصليَّةٌ وقيل: زائدة، والأصحُ أنها أصليَّةٌ، فحينئذٍ تحتاج إلى متعلَّقٍ تتعلق به قال بعضهم:
لابُدَّ لِلجَارِّ مِنَ التَّعلُّقِ بِفِعْلٍ اوْ مَعْنَاهُ نَحْوُ مُرتَقِي
إذًا لابُدَّ لحرف الجار الأصلي أن يتعلق بفعل أو ما فيه رائحة الفعل، إذًا [بِسْمِ اللهِ] جار ومجرور متعلق بفعل على الأصح وليس اسمًا، وهذا الفعل مؤَخَّرٌ لا مُقدَّمٌ، وهذا الفعل خاصٌّ لا عامٌّ. لماذا كان التقدير فعلاً؟ لأن الأصل في العمل للأفعال، وأيضًا ورد التصريح به في الكتاب والسنة فعلاً؛ قال تعالى:?اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ? (العلق:1) ?بِاسْمِ? هذا جار ومجرور متعلق بقوله: ?اقْرَأْ?, و?اقْرَأْ? هذا فعل. وجاء في الحديث: «باسمك ربي وضعت جنبي» «باسمك» جار ومجرور متعلق بقوله: (وضعت). وهذا الفعل المحذوف الأرجح فيه أن نقدره متأخرًا: بسم الله أؤلف، وإنما يقدر متأخرًا لفائدتين:
¥