تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأولى: الاهتمام؛ لأنه لا يتقدم على اسم الله تعالى شيء فيؤخر لذلك، أما إذا قلت: أؤلف بسم الله فقد قدمت على لفظ الجلالة غيره، فحينئذٍ كان فيه فائدة الاهتمام، وأما تقديمه في سورة ?اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ? فقد أجاب أهل البيان بأنَّ المقصود هنا هو القراءة، قال السيوطي في عقود الجمان:

وَقَدْ يُفِيدُ فِي الجَمِيعِ الاِهْتِمَامْ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ الصَّوَابُ فِي المقَامْ

تَقْدِيرُ مَا عُلِّقَ بِاسْمِ اللهِ بِهْ مُؤَخَّرًا فَإِنْ يَرِدْ بِسَبَبِهْ

تَقْدِيمُهُ فِي سُورَةِ اقْرَا فَهُنَا كَانَ القِرَاءَةُ الأَهَمَّ المُعْتَنَى

إذًا قُدِّم في قوله ?اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ? لأن القراءة هي الأهم المعتنى به في هذا المقام.

الفائدة الثانية: إفادة القصر والحصر، وهو إثباتُ الحكم في المذكور ونفيه عمَّا عداه، أي بسم الله أؤلف، إذًا قُدِّم ما حقه التأخير فأفاد القصر، يعني بسم الله لا باسم غيره.

ويُقدر الفعل خاصًّا يعني يقول عند التقدير: بسم الله أؤلف إذا أراد التأليف. بسم الله أشرب إذا أراد الشرب وهكذا. ولا يقدره: بسم الله أبدأ؛ لأنه عام فلا يُفهم من المقدَّر هنا فعلٌ وحدثٌ خاصٌّ قالوا: لأنَّ دلالةَ الحال أدلُّ على المقدر؛ لأنه ينوي في نفسه ما جَعل البسملةَ مبدءًا له، وهو الفعل الخاص الذي تلبس به.

[بِسْمِ اللهِ] اسم مضاف، ولفظ الجلالة (الله) مضاف إليه. وهنا الإضافة من إضافة الاسم إلى المسمَّى فتفيد حينئذٍ العموم. [بِسْمِ اللهِ] أي بكل اسمٍ هو لله، سمى به نفسه، أو أنزله في كتابه، أو علمه أحدًا من خلقه، أو استأثر به في علم الغيب عنده.

[اللهِ] عند كثير من أهل العلم أنه هو الاسم الأعظم، والأصح أنه مشتق، وأصله الإله، حذفت الهمزة تخفيفًا، واجتمع عندنا حرفان مثلان، وهما اللامان، الأولى ساكنة، والثانية متحركة؛ فوجب الإدغام فقيل: الله، ثم فُخِّمتِ اللام بعد الفتح والضم تعظيمًا لله عزَّ وجَلَّ فقيل: الله قال ابن الجزري:

وَفَخِّمِ الَّلاَمَ مِنِ اسْمِ اللهِ عَنْ فَتحٍْ اوْ ضَمٍّ كَعَبْدُ اللهِ

[عَن فتحٍ او ضمٍّ] أي بعد فتح او ضمٍّ كما في قوله تعالى: ?لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ? (الانشقاق:19) أي طبقًا بعد طبق. بعد فتح نحو: رأيت عبدَ الله، وبعد ضمٍّ نحو: جاء عبدُ الله. أما بعد الكسر فترقق اللام وهذا مذهب الجمهور أنَّ اللام تفخم بعد الضم والفتح، وترقق بعد الكسر. وقيل: ترقق مطلقًا. وقيل: تفخم مطلقًا.

إذًا [الله] مشتق من الإله بمعنى أنه يدل على ذاتٍ متصفةٍ بصفةٍ وهي الإلهية. لأن أصله الإله -كما ذكرنا- فهو فِعَال بمعنى مفعول أي المألوه محبةً وتعظيمًا. لذلك ذُكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين) لأن ألِه يألَه إلهةً وألوهةً وألوهيَّة يأتي بمعنى عبد عبادة والألوهية هي العبادة، قال رؤبة:

لِلهِ دَرُّ الغَانِيَاتِ المُدَّهِ سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تألُّهِي

[الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة؛ إلا أنَّ الرحمن أشدُّ مبالغةً من الرحيم، لأنه على وزن فعلان يدل على الامتلاء كغضبان وعطشان. وهو أيضًا أكثرُ حروفًا من الرحيم. وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالبًا.

[الرَّحْمَن] عامٌّ من جهة المعنى، خاصٌّ من جهة اللفظ، من جهة المعنى = الرحمة عامة تشمل الكفار والمسلمين والبهائم ونحوها. ومن جهة اللفظ = خاصٌّ لا يطلق إلا على الله عزَّ وجلَّ. وأما إطلاق أهل اليمامة ذلك على مسيلمة الكذاب فهو من باب تعنتهم وكفرهم قال قائلهم:

سَمَوْتَ بِالمَجْدِ يَابنَ الأَكْرمَينِ أَبًا وَأَنْتَ غَيْثُ الوَرَى لاَ زِلْتَ رَحْمَانَا

وقد ردَّه بعضُ الأدباء بقوله:

خُصِّصْتَ بالمقْتِ يَابْنَ الأَخْبَثَينِ أَبًا وَأَنْتَ شَرُّ الوَرَى لاَ زِلْتَ شَيطَانًا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير