تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثالثًا:: اقتداءًا بالأئمة المصنفين في افتتاح الكتب كما قيل في البسملة. ولذلك القاعدة العامة -كما ذكر أهل العلم- أنَّه يُستحب البَداءةُ بالحمد لله في كل أمر مهم قالوا: يستحب البداءة بالحمدلة لكلِّ مصنِّفٍ، ودَارسٍ، ومُدرسٍ، ومتعلِّمٍ، ومُعلِّمٍ، ومزوِّجٍ، وخاطبٍ، وخطيبٍ، وبين يدي سائر الأمور المهمة. وأما حديث «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله .. » فهو ضعيف أيضًا، فلا يحتج به.

قال الناظم: [أَحْمَدُ] عبَّر بالجملة الفعلية. والأصل أن يأتي بالجملة الاسمية؛ لأنها تدل على الدوام والثبوت؛ إلا أنَّه عَدَل عنها إلى الجملة الفعلية؛ لأنها تدل على التجدد والحدوث؛ لأنَّ التجددَ والحدوثَ مُقابَلٌ بما عُلِّقَ به الحمد وهو الأمور. أحمد الله في كل الأمور [الأُمُورِ] جمع أمرٍ، والمراد به الشأن، والحال، يعني في كل شؤوني أحمد الله، فحينئذٍ كان متعلَّقُ الحمدِ شأنَ العبدِ. وشأنُ العبدِ متقلِّبٌ، فقد يكون في سرَّاء، وقد يكون في ضرَّاء. وفي الحديث: «عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضرَّاءُ صبر فكان خيرًا له» إذًا حالُه متقلِّبٌ بين الحالين؛ فحينئذٍ يُحمَد الرَّبُ جلَّ وعَلا على السَّراءِ والضَّراءِ، وهذا أمرٌ حادثٌ ومتجدِّدٌ، يوجد بعد أن لم يكن شيئًا فشيئًا، فحينئذٍ ناسب أن يأتي بالجملة الفعلية الدالة على التجدد والحدوث، كُلَّما وُجدتِ النِّعمةُ سواء كانت سرَّاءَ فشكرَ، أو ضرَّاءَ فصبرَ وُجِدَ الحمدُ، بخلاف الجملة الاسمية فإنها تدل على الثبوت والدوام. [اللهَ] منصوبٌ على التَّعظيمِ، مفعولٌ به مُقدَّم. [أَحْمَدُ] فعل مضارع متأخر، إذًا قدَّمَ ما حقُّه التأخير، والقاعدة العامة = أنَّ تقديمَ ما حقُّه التأخيرُ يُفيد الحصر والقصر، وهو إثباتُ الحكمِ في المذكور ونفيُه عمَّا عَداه. وإثباتُ الحكمِ هنا هو الحمد، للمذكور وهو الربُّ جَلَّ وعَلا ونفيُه عمَّا عدا الله سبحانه. إذًا لا يَستحق الحمدَ الكاملَ إلا اللهُ عَزَّ وجَلَّ كأنَّه قال أحمدُ اللهَ لا غيرَه. ومثله قوله: ?إياك نعبد? أي نعبدُ اللهَ لا غيرَه. [اللهَ فِي كُلِّ الأُمُورِ أَحْمَدُ] في كُلِّ الأمورِ مُتعلِّقٌ بقوله: أحمد. [أَحْمَدُ] مُشتَقٌ من الحمد، وهو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: ذِكرُ محاسنِ المحمودِ معَ حُبِّه وتعظيمهِ وإِجلالهِ. سواءٌ كانت هذه المحاسنُ صفاتٍ لازمةً أوصفاتٍ متعديةً. فيُحمدُ الرَّبُ جَلَّ وعَلا على كُلِّ صفةٍ اتَّصفَ بها سواءٌ كانت صفةً ذاتيةً أم فعليةً. ثُمَّ بعد الحمدلة والثناء على الله بما هو أهله عقبه بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم إظهارًا لعظمة قدره، وأداءًا لبعض حقوقه الواجبة، وامتثالا لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) فقال: [مُصَلِّيًا] بالنَّصبِ، حالٌ مِن فاعلِ [أَحْمَدُ] أي أحمدُ اللهَ في كُلِّ الأمورِ حالةَ كوني مُصليًا على الرسول. فهي حالٌ مقارِنةٌ مِن فاعلِ أحمدُ المستتر، ومقارَنةُ كُلِّ شيءٍ بِحَسَبه، فَمُقارَنةُ لفظٍ معَ لفظٍ وقوعُه عَقِبَهُ مباشرةً، لا حَال منوية؛ بمعني أحمدُ اللهَ حالةَ كوني ناويًا في قلبي بعدَ الحمدِ أن أصلي، لأنَّ نية الصلاة ليست بصلاة. [مُصَلِّيًا] اسم فاعل مِن صلَّى الرُّباعِيِّ، أي طَالبًا من اللهِ صلاتَه على الرسول. والصلاة من الله على الرسول -كما قال ابن القيم- ثناؤُه على عبدِه في الملأ الأعلى، وصلاةُ الملائكةِ عليه ثناؤُهم عليه، وصلاةُ الآدَميينَ سؤالهُم اللهَ أن يُثني عليه ويزيدَه تشريفًا، وتكريمًا. [عَلَى الرَّسُولِ] جار ومجرور متعلِّقٌ بقوله: مصليًا، يعني أينَ مَحَلُّ الصلاةِ؟ قال: على الرسول. وهنا أتى بالصلاة ولم يذكر السلام أي أفرد الصلاة عن السلام بناءًا على أنه لا كراهة وهو الصحيح وإن كان الأفضل والأكمل الجمع بينهما للآية. و [الرَّسُول] فَعُولٌ مِنَ الرِّسَالةِ. معناه في اللغة: الذي يُتَابِعُ أخبار الذي بعثه، أخذًا من قولهم: جاءتِ الإبِلُ رَسْلاً أي مُتَتَابِعَةً. وأمَّا في الشَّرعِ فالمشهورُ عندَ الجمهورِ: أنَّه إنسان ذكر حر أُوحِيَ إليه بشرع وأُمِرَ بتبليغه، فإن لم يُؤمر فهو نبيٌّ، فكلُّ رَسولٍ نبيٌّ ولا عكس. قال-رحمه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير