ويَقصِد العلماء بمصطلح "المعجَم" الكتابَ الذي يَجمَع كلماتِ لُغةٍ ما ويشرحها ويوضِّح معنَاها ويرتِّبُها بِشَكْلٍ مُعَيَّنٍ [3].
ويُمكن - أيضًا - أن يقال: إنَّ المعجَم اسم مفعول من "أُعْجِمَ"، أو مصدرًا ميميًّا من نفس الفعل، ويكون معناه الإعجام أو الإزالة أو العجمة أو الغموض [4].
أسباب وضع المعجم، وأهميته:
بعد أن كثرت مفردات اللُّغة، ودخل غير العرب في الحياة العربيَّة بلسانهم الأعجميِّ، وشيئًا فشيئًا وجد بعض أبناء العربية أنفسَهم غير فاهمين معانيَ بعضِ الألفاظ التي تحتاج لديهم إلى توضيح - جاءت الحاجة الضروريَّة إلى وجود كتابٍ لغويٍّ يبين لهم ذلك الغموض؛ حيث يرجعون إليه وقت الحاجة دون عناء.
وربما كان - ولا يزال - القصد من تأليف المعاجم العربيَّة وكتب اللغة هو حراسة القرآن من تسرُّب الخطأ في النُّطق أو الفهم إليه، وحراسة العربيَّة من انتشار الدَّخيل بها، وصيانة هذه الثَّروة من الضياع بموت العلماء، ومن يحتجُّ بلغتهم [5].
ويبدو أن كثيرًا من المحاولات الأولى للدَّرس اللغويِّ التي تَمت في أماكن مُختلفة من العالم كانت مُرتبطة بالدين والعقيدة [6].
والمعجم العربيُّ - مثلاً - يعتبر وسيلة مساعدة تهيِّئ سبل الاتصال بين النَّاس وذلك لأن المعجم العربيَّ يمثِّل عمادًا من أعمدة اللُّغة؛ فهو منوطٌ به صون اللسان العربيِّ من اللحن وتسجيل ما هو من كلام العرب، ورصده، والحفاظ عليه بعيدًا عن النِّسيان، وعليه فقد أصبح المعجم العربيُّ مرجعًا أصيلاً يلجأ إليه العرب بكافة طوائفهم: أدباؤهم، وشعراؤهم، وعالمهم، ومتعلِّمهم ... إلخ [7].
وربَّما يُمكن للمعجم العربي أن يقدِّم لنا بعض مراحل تطوُّر المفردات اللُّغوية في اللفظ أو المعنى أو هما معًا، في نفس الوقت الذي نفتقر فيه إلى "المعجم التاريخي" الذي يوضح نشأتها ومراحل تطوُّرها وغير ذلك مما يتعلَّق بها، على أن هناك مَن لا يرحب بفكرة تأليف مثل هذا المعجم بحجة وجود المعجم الكبير [8].
مراحل التأليف المعجمي:
يحتل العرب في مجال المعاجم مكانًا بارزًا، سواء في الزَّمان أو في المكان، قديمًا وحديثًا، بالنِّسبة للشرق والغرب [9].
وقد مرَّ التأليف المعجميُّ - كما يرى الأستاذ أحمد أمين - بعدَّة مراحل يُمكن إيجازها فيما يلي:
المرحلة الأولى: وفيها رَحَل العلماء واللُّغويون إلى البادية؛ حيث يجمعون مفردات اللغة من أفواه العرب، وذلك دون ترتيب إلا ترتيب السَّماع.
المرحلة الثانية: وفيها جمع اللغويُّون الكلمات المتعلقة بموضوعٍ واحدٍ في موضعٍ واحدٍ، والذي دعا إلى هذا - على ما ظهر - أنهم رأوا أنَّ اللغة بها كلمات تتقارب في معناها؛ فأرادوا تحديد هذه المعاني، ومن ذلك - مثلاً - ما وصفه أبو زيد؛ حيثُ وضع كتابًا في "المطر" وكتابًا في "اللبن" وألَّف الأصمعي كتبًا كثيرةً صغيرةً كل كتاب في موضوعٍ [10].
المرحلة الثالثة: وفيها تَم وضع مُعجم يشمل كل كلمات العربيَّة على نَمط خاص؛ ليرجع إليه من أراد البحث عن معنى كلمة وأول من فكَّر في هذا الموضوع في اللُّغة العربية هو عبقريُّها الخليل بن أحمد الفراهيديُّ.
ولا يعني تقسيم تاريخ المعجم إلى مراحل أنَّ هذه المراحل مُنفصلة؛ لا، بل قد تَعاصَر أصحابها زمنًا طويلاً؛ فالخليل عاش من 100هـ إلى 175هـ، والأصمعيُّ من 122هـ إلى 213هـ، وأبو زيد تُوفِّي في 215هـ عن بضعة وتسعين عامًا.
مدارس الترتيب المعجمي:
استخدم اللغويُّون العرب مناهج مُحددة في ترتيب المواد اللُّغوية في المعاجم العربية، وجاءت هذه المناهج على هيئة عدَّة مدارس مشهورة، منها:
1 - مدرسة التَّرتيب الصَّوتي، وتعتمد على جمع المواد اللُّغوية وترتيبها على أساس صوتي حَسَبَ مخارج الألفاظ، بادئةً بأصوات الحلق ومنتهية إلى أصوات الشفة، ورائد هذه المدرسة هو الخليل نفسه، ومن أهم معاجمها "العين" للخليل بن أحمد، و"تهذيب اللغة" للأزهريِّ، و"المحكم" لابن سِيده.
2 - مدرسة القافية، ويتم الترتيب فيها على حَسَبِ الحرف الأخير فالأول ثم الحرف الثالث، ومن معاجم هذه المدرسة "الصحاح" للجوهريِّ، و"مختار الصحاح" للرَّازي، وهو محور الدِّراسة، و"لسان العرب" لابن منظور، و"القاموس المحيط" للفيروزآبادي.
¥