تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما المشتق في مخاطبتك ربك: (إنك سميع الدعاء) فالقياس أن يكون صيغة مبالغة لأنه مشتق من المتعدي مضاف إلى معموله المنصوب في الأصل، ومن المعلوم أن اسم الفاعل والمبالغة يضافان إلى المفعول به جوازا، فيصح: إنك ضاربٌ اللصَّ، وضاربُ اللصِّ، وكذا إنك حمالٌ اللواءَ، وحمالُ اللواءِ.

ولكن فيما يختص بصفات الله عز وجل الثابتة كالسمع والبصر ... إلخ إذا جاءت على صيغة اسم الفاعل أو المبالغة يرى بعض النحاة تأويلها بالصفة المشبهة في بعض المواضع حتى لا يحكم عليها بالحدوث، وإنما فعلوا ذلك لأن ثبوتها لله معلوم بالضرورة.

وعليه يصح في (سميع الدعاء) أن يكون المشتق صيغة مبالغة مضافة إلى منصوبها جوازا، وتكون الإضافة لفظية وذلك على الأصل، ويصح أن يكون صفة مشبهة على رأي من يؤوله بها وإن كان فعله متعديا لأنه من صفات الله الثابتة، وعلى هذا الرأي يصح عند بعض النحاة أن تكون الإضافة حقيقية.

وأما (فعال لما يريد) فالمشتق صيغة مبالغة لأنه من المتعدي وقد نصب مفعولا به، وأما (ظلام) في الآية الأخرى فبعض النحاة يؤوله باسم الفاعل (ظالم) وإنما فعلوا ذلك حتى لا يكون النفي مقتصرا على الظلم المبالغ فيه دون الظلم القليل، والله لا يظلم مطلقا.

غير أن لي وجهة نظر شخصية في صيغة المبالغة المسبوقة بنفي مثل (وما ربك بظلام للعبيد) (لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم فاحشا ولا لعانا ولا سبابا) ووجهة نظري أن (ظلام، لعانا، سبابا) على بابها صيغ مبالغة، ولكن المبالغة هنا ليست في الصفة وإنما المبالغة في نفي الصفة، ولكن لما كانت أدوات النفي (ما، لا، لن، ليس ... إلخ) لا تتحمل ألفاظها ما يدل على المبالغة نقلت المبالغة إلى الصفة المنفية ليدل هذا على المبالغة في نفي الصفة، وليس نفي الصفة المبالغ فيها فقط. والنقل حاصل في بعض التراكيب حيث نقلوا لام الابتداء إلى الخبر، ونقلوا الفاء من الاسم المرفوع بعد (أما) إلى الخبر، ونقلوا علامة الإعراب إلى ما بعد (إلا) الاسمية ... إلخ.

وخلاصة القول أنه إذا جاءت صيغة المبالغة مثبتة فهي مبالغة في إثبات هذه الصفة للموصوف، وإذا جاءت منفية فهي مبالغة في نفي هذه الصفة عن الموصوف. وعلى هذا لا يلزم ـ عندي ـ تأويل (ظلام، لعانا، سبابا) باسم الفاعل لأنها منفية، ونفي المبالغة يعني المبالغة في نفي الصفة إجمالا، ولا يعني نفي الصفة المبالغ فيها مع إثبات الصفة غير المبالغ فيها. والله أعلم.

تحياتي ومودتي.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير