«سَبْقٌ صحفِي»!
ـ[ناصر الكاتب]ــــــــ[01 - 05 - 2009, 06:10 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال محمد المويْلحي: «الناسُ اليومَ في حركةٍ لا شرقيَّةٍ ولا غربيَّة، فقد اشتغَلَ بعضُهم ببعضٍ، واكتَفَوا من دهرِهم بِحوادِث يومهم، فتعطَّلَتْ بينَهم مجالِسُ العلم، واندرَسَتْ مجامِعُ الأدب، واقتصروا على مطالعةِ أخبارهم في الجرائد والصحف دون الدفاتر والكتُب» اهـ[حديثُ عيسى بن هشام: 102، ط: دار الشعب].
قلتُ: والصحافة -رعاك الله- هي كما قال الرافعي: «تمامها بمراعاة قواعد النقص في القارئ» [وحي القلم: 3/ 930، ط: بسَّام الجابي]. أي: هي تلبيةٌ لما يطلبُه القارئون، أو ما تظنُّ هي أنهم يطلبون!.
ولقد انشغل الناسُ بالأخبار اليوميِّة، فتسابق باعةُ الأخبار إلى «الحوادث» اليوميَّة أيهم يشيعها أوَّلا، فيظفر بالسبق الصحفي.
ولن يتسع المقام للراكضين -من نقَلَة الأخبار- فيمحصوا أنباءَهم مما لا تقر نشرَه خِلَّتَا الصدقِ والأمانةِ.
فلا تعجب من شيوع كثير من الأكاذيب والأراجيف؛ فليس لكثير من الصحفيين وقتٌ لفحص بضاعتِهم .. فهم في مضمار السبْق، فاعف عنهم عفا الله عنك!!
ولا تسألني عن العِرْض المطعون بلا حق، واللوثاتِ المبثوثة في العقول بلا ورع، والنفوس التي تنافرَت بعد ذلك ... فالصحفي في «سبْقِه» لا تزعجْه عنه، والزبائن في انتظار جديده؛ فاقعد معهم عن سعيك، واطوِ همَّك!!
هذه مسيرة عاجلِ الأنباء، مع كثير من أبناء الصحافة. وأحبُّ أن أؤكد أن حكمي هذا على طوائفَ منهم، لا عليهم كلّهم؛ فإن منهم من يسبِق دون أن يذيع فاسِدَ ما قنَص. وسيعرف الناسُ لهذا الصنف فضله وصدقَه وجودة طرحه. وهو ظافرٌ مرتين؛ إن سبَقَ لسبْقِه، وإن وصل متأخرا، قال الناس «القول ما قالت حذام»!
هذا النمط الأوسط، لستُ أعنيه في قولي.
وإنَّ أقواما لا يكتفون بإهمال جانب التمحيص، ومعرفة الصالح للنشر مما دونه، فحسب؛ بل يتجاوزن ذلك -عدوانا وإثما- إلى صريحِ الكذب، شأنهم في ذلك شأن البائع يكذبُ لتروج سلعتُه، لكنَّ بائع السِّلَع يغش الجيوب، وبائع الأخبار يغش العقول!
قال زكي مبارك: «ولكنَّ فريقا من هؤلاء الكاتبين يستبيحون لأنفسِهم الكذبَ والافتراءَ، فإذا سألتهم من شرَع لكم هذه الشريعة الباطلة: شريعة الكيد للناس ... ابتسموا ابتسامةً صفراء، وقالوا إنما نفعلُ ذلك لينتبه الناسُ إلى ما نكتبُ فتبنُه جرائدُنا وتذيع!!» [البدائع: 50، ط: دار الكتب والوثائق القوميَّة].
أيها الناس، لا تعجلوا إلى البضائع الإخباريَّة فيسبق الزيفُ إلى عقولكم!.
ناصر الكاتب
ليلة الأحد: 16/ 4 / 1430هـ.