تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من عبقرية الصديق رضي الله عنه]

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 03 - 2009, 08:35 ص]ـ

كانت حروب الردة، بلا جدال، مئنة من عبقرية الصديق، رضي الله عنه، فقد واجه النازلة من اليوم الأول:

مواجهة نفسانية:

أعيت كبار الصحابة، رضي الله عنهم، الذين اهتزوا بوفاة النبي القائد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فضلا عما تبع ذلك من ردة كثير من قبائل الجزيرة، فواجه الصديق، ذلك بشجاعة دينية وشجاعة سياسية، لم يشركه أحد فيهما، بل وشجاعة بدنية، شاركه الصحب الكرام، رضي الله عنهم، فيها، بل وتفوق بعضهم عليه، إذ كان كثير منهم أقوى منه بدنا، فقد تجاوز، رضي الله عنه، آنذاك الستين، ومع ذلك خرج شاهرا سيفه إلى ذي القصة، ولكن أحدا منهم لم يتفوق عليه في شجاعته الدينية وشجاعته السياسية. وليس غريبا أن يفوق المفضول الفاضل في بعض الخصال.

ومن اليوم الأول لنازلة الأمة العظمى: نازلة رحيل القائد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصمد للصدمة الأولى، صمود أبي بكر، رضي الله عنه، إلا العباس والمغيرة، رضي الله عنهما، وإلى طرف من ذلك أشار الحافظ، رحمه الله، بقوله: "وَفِي الْحَدِيث، (أي: حديث عائشة، رضي الله عنها، في وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، قُوَّة جَأْش أَبِي بَكْر وَكَثْرَة عِلْمه، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَبَّاس كَمَا ذَكَرْنَا، وَالْمُغِيرَة كَمَا رَوَاهُ اِبْن سَعْد وَابْن أُمّ مَكْتُوم كَمَا فِي الْمَغَازِي لِأَبِي الْأَسْوَد عَنْ عُرْوَة قَالَ: " إِنَّهُ كَانَ يَتْلُو قَوْله تَعَالَى: (إِنَّك مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) وَالنَّاس لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَكْثَر الصَّحَابَة عَلَى خِلَاف ذَلِكَ " فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الْأَقَلّ عَدَدًا فِي الِاجْتِهَاد قَدْ يُصِيب وَيُخْطِئ الْأَكْثَر فَلَا يَتَعَيَّن التَّرْجِيح بِالْأَكْثَرِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ ظَهَرَ أَنَّ بَعْضهمْ قَلَّدَ بَعْضًا". اهـ

ولا بد من وقفة تأمل لحقيقة الشجاعة وحدها، إذ قد صار حد الشجاعة في أذهان الأجيال المعاصرة مقصورا على الشجاعة البدنية، فهي شجاعة الأجساد، وإن ضعفت القلوب، وقد كفانا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدها، فقال: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)، فأخرج شجاعة البدن، وإن كانت من جنس الشجاعة المعتبرة لا سيما في ساحات الوغى، أخرجها من حد الشجاعة الحقيقية المعتبرة، فهي مظهر لا جوهر، فمنزلتها من شجاعة القلب منزلة: العرض الظاهر لجوهر باطن، فلا تقوم الصفة بالبدن حتى يتشبعها القلب، فتظهر آثارها على الجوارح، آلات التكليف، وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، موقوفا: (القلب ملك وله جنود، فإذا صلح الملك صلحت جنوده، وإذا فسد الملك فسدت جنوده)، فشجاعة الجنود لا تغني شيئا إن كان الملك أو القائد جبانا، وكم من معارك خاضتها قوى مادية عظمى، هزمت فيها شر الهزائم، لخور أصاب قلوبها، وجبن استولى على قادتها، ففشلُ الجنود فرع عن فشل القادة، وتخاذلهم مئنة من تخاذل قادتهم، فلازم لا ينفك عن ملزومه.

وعن عمر، رضي الله عنه، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد من ارتد من العرب وقالوا: نصلي ولا نزكي فأتيت أبا بكر فقلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش، فقال: رجوت نصرك وجئتني بخذلانك جبار في الجاهلية خوار في الإسلام ماذا عسيت أن أتألفهم بشعر مفتعل أو بسحر مفترى هيهات هيهات مضى النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالا، قال عمر: فوجدته في ذلك أمضى مني وأصرم مني وأدب الناس على أمور هانت علي كثير من مؤونتهم حين وليتهم.

وليس في ذلك قدح في عمر، رضي الله عنه، وإنما هو فضل الله، يؤتيه من يشاء، وقد أوتي الصديق منه أعظم نصيب فهو أشجع هذه الأمة قلبا بعد صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ويقال إجمالا في شأن الشجاعة:

الشجاعة على ثلاثة أنواع:

أولها: الشجاعة الدينية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير