تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تلبيس إبليس على أهل اللغة و الأدب]

ـ[ابن عيبان العبدلي]ــــــــ[09 - 05 - 2009, 03:30 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم:

قال الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي - رحمه الله تعالى -

في كتابه " تلبيس إبليس " متحدثاً عمن أفنوا أعمارهم في طلب علوم النحو واللغة وتلبيس إبليس عليهم

(قد لبّس على جمهورهم فشغلهم بعلوم النحو و اللغة من المهمات اللازمة التي هي فرض عين

عن معرفة ما يلزمهم عرفانه من العبادات و ماهو أولى بهم من آداب النفوس و صلاح القلوب،

و بما هو أفضل من علوم التفسير و الحديث و الفقه،

فأذهبوا الزمان كله في علوم لا تُرادُ لنفسها بل لغيرها

فإن الإنسان إذا فهم الكلمة فينبغي أن يترقى إلى العمل بها

إذ هي مرادة لغيرها، فترى الإنسان منهم لا يكاد يعرف من آداب الشريعة إلا القليل

و لا من الفقه و لا يلتفت إلى تزكية نفسه و صلاح قلبه.

و مع هذا ففيهم كِبر عظيم و قد خيّل لهم إبليس أنكم علماء الإسلام

لأن النحو و اللغة من علوم الإسلام و بها يُعرف معنى القرآن العزيز،

و لعمري إن هذا لا ينكر،

و لكن معرفة ما يلزم من النحو لإصلاح اللسان و ما يحتاج إليه من اللغة في تفسير القرآن و الحديث أمر قريب،

و هو أمر لازم و ما عدا ذلك فضل لا يُحتاج إليه

و إنفاق الزمان في تحصيل هذا الفاضل و ليس بمهم مع ترك المهم غلط

و إيثاره على ما هو أنفع و أعلى رتبة كالفقه و الحديث غبن،

و لو اتسع العمر لمعرفة الكل كان حسناً، لكن العمر قصير فينبغي إيثار الأهم و الأفضل.

و مما ظنّوه صواباً و هو خطأ، ما أخبرنا به أبو الحسين بن فارس قال:

قيل لفقيه العرب: هل يجب على الرجل إذا أشهد الوضوء؟

قال: نعم، قال: و الإشهاد أن يمذي الرجل.

قال المصنف: و ذكر من هذا الجنس مسائل كثيرة و هذا غاية في الخطأ،

لأنه متى كان الاسم مشتركاً بين مسمّيين كان إطلاق الفتوى على أحدهما دون الآخر خطأ،

مثاله أن يقول المستفتي: ما تقول في وطء الرجل زوجته في قرئها؟

فإن القرء يقع عند اللغويين على الإطهار و على الحيض،

فيقول الفقيه: يجوز إشارة إلى الطهر أو لا يجوز إشارة إلى الحيض خطأ.

و كذلك لو قائل السائل: هل يجوز للصائم أن يأكل بعد طلوع الفجر؟

لم يجز إطلاق الجواب، فما ذكره فقيه العرب هو خطأ من وجهين،

أحدهما: أنه لم يستفصل في المحتملات،

و الثاني: أنه صرف الفتوى إلى أبعد المحتملات و ترك الأظهر،

و قد استحسنوا هذا، و قلة الفقه أوجبت هذا الزلل.

و لما كان عموم اشتغالهم بأشعار الجاهلية و لم يجد الطبع صاداً عما وضع عليه

من مطالعة الأحاديث و معرفة سير السّلف الصالح

سالت بهم الطباع إلى هوة الهوى فانبثّ شرع البطالة يعبث

فقلّ أن ترى منهم متشاغلاً بالتقوى أو ناظراً في مطعم

فإن النحو يغلب طلبه على السلاطين،

فيأكل النحاة من أموالهم الحرام كما كان أبو علي الفارسي في ظل عضد الدولة و غيره.

و قد يظنون جواز الشيء و هو غير جائز لقلة فقههم كما جرى للزجاج .......................................... ) انتهى

و ذكر المصنف قصة للزجاج تدل على كذبه و أخذه المال من الوزير القاسم بن عبد الله بالحيلة.

أعلم أن كثيراً لن يعجبهم هذا الموضوع كيف لا و قد كُتب في معقل العربية الالكتروني (شبكة الفصيح)

لكنني أحببت مشاركتكم في هذا الهاجس وسماع رأيكم فيه و مواقفكم منه

فمن تأمّل وجده جد مهم

فعلوم العربية - كما يسميها العلماء - علوم آلة و وسيلة لغاية

والهدف من معرفة اللغة العربية (الوسيلة) هو فهم كتاب الله و سنة نبيه - صلى الله عليه و سلم - (الغاية)

فإذا أفنينا الزمان - و هو أعز ما يملك الإنسان - في تعلم النحو واختلاف الكوفيين و البصريين و تتبع العلل

و في تعلم الصرف و أبنيته و ما ورد منه مقيس و مسموع و في تعلم البلاغة و فقه اللغة (المعاجم)

و العروض و القافية و الأدب (الشعر و النثر) و النقد و غيرها

فمتى يكون الوقت للتفقه بكتاب الله و تدبر آياته و تعلم أحاديث رسول الله - صلى الله عليه و سلم -؟

و العلوم الشرعية كثيرة منها الأساسي و منها الآلي

فالأساسي كعلم العقيدة و علم الفقه و علم التفسير و علم الحديث

و الآلي كأصول الفقه و أصول التفسير و مصطلح الحديث و اللغة العربية

فإذا أخذنا علماً آلياً غير مقصود لذاته بل لغيره (كالعربية) و أضعنا فيه الأعمار

متى نلتفت إلى العلوم الأساسية المقصودة للعمل؟

و قد قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين) رواه البخاري و مسلم

و أذكر هنا قول العالم النحوي الكبير ثعلب حيث قال:

(اشتغل أهل القرآن والحديث والفقه بذلك ففازوا واشتغلت بزيد وعمر وليت شعري ما يكون حظي في الآخرة)

و أرجو ممن لديه كلام لأهل العلم الثقات في هذه المسألة أن يذكره لنا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير